Papers by Ghourdou Abdelaziz

إي - كتب / لندن, 2015
يحدث حاليا نوع من التراكم الأولي على مستوى التداول – على الأقل بين النخبة السياسية والمعنيين بالش... more يحدث حاليا نوع من التراكم الأولي على مستوى التداول – على الأقل بين النخبة السياسية والمعنيين بالشأن الدستوري المغربي على المستويين النظري والملموس – حول مفهوم "النظام البرلماني" الذي يمكن للمغرب أن ينتقل إليه، علما بأن الوثيقة الدستورية أدخلت تعديلا جوهريا على الفصل الأول الذي كان نصه في دستور 1996: «نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية»، من خلال إضافة كلمة "برلمانية" على هذا الفصل ليصبح في دستور 2011 كما يلي: «نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، برلمانية ديمقراطية واجتماعية»، ولا يمكن للكلمة المضافة هنا أن تكون إلا مقصودة لغاية معينة؛ فكيف تساهم الحكامة الجيدة في تشكيل ملامح هذا النظام؟ وهل دسترتها تفترض انضباط جميع مؤسسات النظام الدستوري المغربي، بما في ذلك المؤسسة الملكية، لمبادئها؟
الجواب نفيا لن يردنا إلا إلى خانة النموذج التقليداني في الحكم، وبالتالي إعادة جميع الأسئلة إلى المربع الأول: ما الفائدة من إدراج الحكامة الجيدة في المتن الدستوري إذا لم ينضبط له الجميع؟
نعتقد بأن جوهر عملنا يكمن في الجواب على السؤال أعلاه، وهو جواب لا يمكنه أن يتعارض مع المنطقي والضروري لدستور يزعم أنه يطمح إلى تعديل نظامه الدستوري، وبالتالي لا يمكن أن يكون إلا إيجابا، مما يعني أن جميع مؤسسات النظام الدستوري – بما فيها المؤسسة الملكية – باتت معنية بمبادئ الحكامة

دار ناشري - الكويت, 2016
يتشكل الجدال الذي يؤلف هذا البحث من مشروعين متحدين يؤسس أحدهما للثاني، بما أنه يقدم أسسه المادية ... more يتشكل الجدال الذي يؤلف هذا البحث من مشروعين متحدين يؤسس أحدهما للثاني، بما أنه يقدم أسسه المادية التي يرتكز عليها.
المشروع الأول يتكئ على الواقع التاريخي، الذي أفرزه الإسلام، والذي أفضى إلى تحديد نظرية للحكم/الخلافة أصبح التاريخ نفسه منفعلا بها، ومنه التاريخ المغربي قطعا، من خلال مؤسسة "إمارة المؤمنين". أما المشروع الثاني، أو الثقافة الدستورية التي تتقاطع والمؤسسة المذكورة، فهو إنتاج المعارف المرتبطة بالحقل الدستوري الحداثي، الذي دخل في تجاذب مع المشروع الأول، نظرية وممارسة.
وإذا كانت نظرية الخلافة ذات المنزع الديني قد أرست، في الواقع، أسس "إمارة المؤمنين"، كآلية متميزة للحكم، ضمن المشروعية الواحدية، فذلك لأن إنشاء علم السياسة الشرعية – الذي يعرف موضوعه بأنه تكوين تصور نظري لتطبيقات الإسلام السياسي – قد وفر الجهاز النظري المبرر لهذه الممارسة، لكنه أفضى في النهاية، بعد صدمة الاستعمار، إلى الدخول في مصاقبة متعثرة مع نقيضه المؤسس على الفعل الإنساني بمنزعه الحداثي.
وتسمح الأطروحتان لفقهاء السياسة بإنشاء نموذجهم المثالي الازدواجي للمجتمع المغربي، الذي فشل في تثوير ثقافة حداثية للحكم وظل راكدا أو متراجعا منذ نشأته، بفعل عنقود من الغيابات (غياب الفئة الوسطى؛ غياب الوعي بالحقوق السياسية؛ غياب الثورات...) لكن يتجلى جوهره الداخلي في تقدم دينامي باتجاه صناعة "الديمقراطية" ولو ببطء، رغم هذه الغيابات، من أجل توليد ثقافة دستورية حديثة دون تحويل ذاتها إلى ثقافة علمانية جذرية، بالمعنى الأرثوذكسي.
دار ناشري - الكويت, 2011
هذا كتاب - في التاريخ - نأمل ألا يكون كالأعمال الأخرى في جنسه، رغم أنه متمم لها، على الأقل من الج... more هذا كتاب - في التاريخ - نأمل ألا يكون كالأعمال الأخرى في جنسه، رغم أنه متمم لها، على الأقل من الجانب المنهجي التنظيري الصرف.لقد أتعبتنا إشكاليته وأرهقنا منهجه لأننا أردنا له بعض التفرد في بابه، بعد أن حقق موضوعه تراكما كبيرا على المستوى الكمي في الإيستوغرافيا المعاصرة.

دار ناشري - الكويت, 2013
إلى أين يمكن أن تنتهي بنا مغامرة مثل التي أقدمنا عليها لتحليل موضوع افتراس اللحوم الآدمية؟
لربما ... more إلى أين يمكن أن تنتهي بنا مغامرة مثل التي أقدمنا عليها لتحليل موضوع افتراس اللحوم الآدمية؟
لربما أفضى بنا التحليل في النهاية - وليبق حديث الليل سرا بيننا - إلى أن سلوك الافتراس أبعد من أن يختزل في مجرد نزوة عشوائية عابرة، أو في رد فعل اضطراري أعيته الحاجة أو أعجزه طلب الثأر... لأنه كل هذه الرموز معا. ولأنه كل هذه الرموز بالضبط، فتحليله لا ينبغي أن يركن إلى صرامة علمية مزعومة متصلبة، بل ينبغي بالأحرى أن يتمتع بقدر عال من المرونة لإبراز "الرمز" الفاعل عند معالجة كل حالة على حدة، وإقصائه إذا دعت الضرورة في حالة - حالات - مغايرة لا تستدعيه وظيفيا.
- ماذا إذن؟
- ما كان علينا إذن أن ننساق وراء سببية مزعومة تركن إلى تفاسير مبهمة، تختفي رغم تعبيراتها المغرية الجذابة، خلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، خلف البنى التحتية المحركة، خلف الدافعية "العميقة" البعيدة التي ينبغي على المؤرخ الكشف عنها دائما حتى تتكشف "عبقريته" و"نبوغه". سببية كانت تكبل الفكر عن القيام بكل ممارسة حرة نبيلة، تجعلنا نَنفُر من التاريخ ونُنفّر منه. لا ننفي قطعا هذه الأسباب المزعومة، لكننا ندعو إلى تحجيمها أولا، وإلى أجرأتها وتعيينها بدقة (وهذا هو المهم) ثانيا.
- وماذا أيضا؟
- كان لابد لنا، بعد، من اقتراح بديل عن "بُناهم التحتية" المزعومة، اقتراح يتجاوزها من خلال منهج عملي التحليل، تجريبي الدلالة والمغزى حتى تتكشف لنا حسناته (المنهج) وعيوبه، فكان اقتراحنا متمما لما بدأناه في مشروع آخر (غوردو، التمدين والسلطة، الباب الثالث) بهدف تثوير مناهج الدراسات التاريخية، اعتمادا على "رموز السلطة".
- ثم ماذا؟
- تجريبية Empirisme المنهج، أي منهج، تحتاج إلى جسم (موضوع) ينبغي تشريحه، فكان "افتراس اللحوم الآدمية" ذاك الجسم، وكانت الصعوبة بالتالي مركبة أو مزدوجة: منهج جديد يقتحم فلسفة التاريخ ومناهجه، يتم تطبيقه على موضوع غريب يشذ عن سنن الخلق والتاريخ.
هذا ما استهوى هذه الدراسة بالضبط، تشريح "الافتراس الآدمي" حتى الأحشاء رغبة في استجلاء الأسباب الحية المحفزة على السلوك، لا الانشغال بأشكال الهوى والسدور، لهذا فهذه دراسة خاصة نتمنى لها قارئا خاصا أيضا.

منشورات المجلس العلمي المحلي - الناظور, 2019
علاقة الشفهي بالمكتوب علاقة متوترة منذ القديم؛ تجلت في أسمى معانيها داخل المجتمع الإغريقي في ق. 5... more علاقة الشفهي بالمكتوب علاقة متوترة منذ القديم؛ تجلت في أسمى معانيها داخل المجتمع الإغريقي في ق. 5 ق. م.؛ حيث النموذج الرائد/أثينا، أو فلسفة أثينا تحديدا، التي كانت تكفر بجميع أشكال النص المكتوب. نتذكر في هذا الإطار موقف أفلاطون المناصر للشفاهية، واعتبار المكتوب تكنولوجيا شبيهة بالشيء/البارد/الميت... الذي لا ينفك يردد الأشياء نفسها حتى لو كانت خاطئة أو بليدة؛ في مقابل الشفهي النابض بالحياة؛ ومع ذلك فإن أعمال أفلاطون نفسها لم تصلنا إلا لأنها انتقلت من الشفهي إلى المكتوب!
تقاطعا مع العلاقة أعلاه: الشفهي/الكتابي؛ نقترح فحص إشكالية التاريخ المحلي، للريف الشرقي، بالاتكاء على ما يوفره الدرس الإناسي في الموضوع، ونعني ريمون جاموس الذي يصرح بأنه يريد أن يبحث في المجتمع الأقلعي ليس فقط من مجرد زاوية اجتماعية - أنتربولوجية بالأحرى - لكن من زاوية تاريخية أيضا (ما يسميه بالمجتمع التقليدي، أو ما قبل الكولنيالي/1912)؛ لكن المفارقة أنه يعتمد فقط، عن سبق إصرار منهجي، الرواية الشفهية لجمع مادته الخبرية، ويقصي النص المكتوب! فهل تكفي الرواية الشفهية وحدها لكتابة التاريخ أو تفسيره؟
إننا إذ نطرح السؤال نفسه الذي طرحه محمد كلاوي، منذ أزيد من 30 سنة، فإنما نعيد طرحه ليس لتبريره منهجيا، كما فعل كلاوي، بل لدراسته ونقده، بغض النظر عن المقدمات المنهجية التي تحكم أي بحث علمي.
فلئن كانت الرواية الشفهية دعامة مركزية لكتابة التاريخ عامة، والتاريخ المحلي خاصة، إلا أنها تكون مبتسرة، حد التشوه، عندما تفتقر للأسس المنهجية الصحيحة لاعتمادها، وبالذات اعتماد المنهج المقارن الذي يقابلها مع الوثيقة المكتوبة، حال وجودها؛ حيث تأخذ الرواية الشفهية عندها حجمها الحقيقي المُؤطَّر بالنص المكتوب، والمقروء في ضوئه.

دورية كان التاريخية - العدد 12, 2011
توجد ثلاثة أبعاد للجدال الأنتروبولوجي الذي تتطرق له هذه الدراسة. أولاً، من المهم بسط الحدود المرج... more توجد ثلاثة أبعاد للجدال الأنتروبولوجي الذي تتطرق له هذه الدراسة. أولاً، من المهم بسط الحدود المرجعية للمقتربات الغربية وتحدي تأثيرها على علم الإناسة المعاصر. ولكن، وبما أن الغربيين كثيرًا ما يعتبرون هذا العلم شكلاً من الفكر الأيديولوجي، عندها يصبح هدفنا الثاني هو معالجة العلاقة المبهمة بين المفاهيم الأنتروبولوجية والمفاهيم الغربية المقترنة بالاستعمار. وأخيرًا، وبسبب غياب تقليد متجانس للتحليل الأنتروبولوجي، فإن هذه الدراسة تهتم أيضًا بمهاجمة المفاهيم الغربية حول قضايا نشأة الإناسة، من منطلق تأثر بشكل واضح بالموضوعية المعرفية، كما تؤطرها إبستيمولوجيا العلوم. معروف أن أعمال النقد الذاتي شبه مفقودة في الأنتروبولوجيا. لذلك، وعندما نقول بأننا ننوي تحدي تأثير الفكر الغربي حول نشأة هذا العلم، فإننا لا نستثني مؤلفات المعاصرين من العرب والمسلمين، التي تحمل ندبات هذا الفكر، حيث خضعت بالتقليد، ودون إدراك، لقوام السوق الايديولوجي السائد. فهذه الدراسة، إذن، ليست مجرد تحليل نقدي للمقتربات الأنتروبولوجية الغربية فقط، ولكنها أيضًا عمل لإزالة الاستعمار الشخصي عن الفكر الأنتروبولوجي العربي، إلى حد كبير. إن الثقل الرئيس في نقاشنا، الجوهري، هو عدم كفاية الأساس النظري الأنتروبولوجي الغربي لدراسة حفريات هذا الحقل المعرفي. لأن مقترباته النظرية سيطر عليها التقليد الفرنسي لستراوس ومدرسته، من جهة، والمنطلقات التقليدية المرتبطة بالمؤسسات المحترفة البريطانية/برتشارد، من جهة ثانية. والبديل الرئيس لكل هذا التقليد، هو بناء "نقد ذاتي" للتحقيب المهيمن على علم الإناسة، لكن أي نقد؟
ارتكز أحد جوانب مقولتنا، في دراسة وهدم هذه المقتربات الغربية، على أنه من أجل تأسيس قاعدة مرضية لتحقيب معقول للإناسة، يجب تحقيق مهمة أولية، تتمثل في رفض التفسيرات الغائية الغربية، التي تحاول معالجة تاريخ الإناسة كسلسلة من المراحل التي تطورت بالغرب/المركز، منذ النشأة الأولى/عصر الأنوار، وإلى وقتنا الراهن، وأن باقي المحيط، بما فيه العالم الإسلامي، لم يكن إلا مستهلكا لما أنتجه الفكر الغربي. وتحتاج عملية الرفض هذه أن نأخذ بعين الاعتبار ادعاءات ستراوس وبرتشارد المعرفية، وإقامة الدليل على بطلانها، وتبيان أنها مجرد تحليلات انتقائية لن تلبث أن تأخذ مكانها، وحجمها الحقيقي، ضمن مشروع إعادة التحقيب المرجوة. ولإعادة التأسيس هذه كان لا بد من أدلة ومن مستندات، وجدناها في الرجوع إلى التراث العربي الإسلامي، ونعني بالذات كتب الرحلات بجميع مستوياتها، فكان أن اهتدينا إلى مقاربة تصنيف جديدة، اعتمادًا على أرضية النقاش التي أعلنا عنها، في صدر إشكاليتنا العامة: أي استقصاء الدرس الأنتروبولوجي فيها. وهكذا صنفنا المادة الأنتروبولوجية فيها، وحددنا درجة ملامستها لهذا العلم، لننتهي إلى أنها غالبا لم تخرج عن مستوى المادة الإيتنوغرافية، باستثناء إعادة قراءتنا لابن بطوطة التي انتهت بنا إلى اكتشاف مذهل قوامه قوة ومتانة الدرس الأنتروبولوجي عنده، وبالتالي وجب أن يكون المنطلق الأساس لأي تحقيب أنتروبولوجي يزعم الدقة والموضوعية.

ضمن كتاب: النوازل الفقهية؛ منشورات المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة, 2019
يفضي بنا نقاش حيثيات، ومرجعيات، وغايات الفتوى السياسية، موضوع هذا التحليل، إلى الوقوف على حالة ال... more يفضي بنا نقاش حيثيات، ومرجعيات، وغايات الفتوى السياسية، موضوع هذا التحليل، إلى الوقوف على حالة الفصام، التي تعيشها النخبة المغربية، بمحافظيها وحداثييها، عند تقاطعين اثنين:
حالة الفصام السياسي أولا، حيث النخبة السياسية مفارقة لمجتمعها تماما، (وحيث المفارقة هنا ترد بمعنى المرتفعة عن الواقع) بحيث ينشأ بينهما (النخبة والواقع) حالة من الاغتراب الشديد؛ لأن مياها كثيرة جرت تحت جسر السياسة والمجتمع منذ أحداث "الربيع العربي" لم تستوعبها هذه النخبة بعد، فظلت تعامل مجتمعها كأنه غير راشد، يمكن خداعه بسهولة، من جهة، كما يمكن الحجر عليه أو التكلم نيابة عنه، من جهة ثانية.
الفصام الديني ثانيا، وتجسده هيئة دينية "علمية" ما زالت توظف الدين توظيفا قروسطيا لم يعد ينطلي على أحد، فتقرأ نصوصه بانتقائية، وتتعامل معها بازدواجية ممجوجة، يهمنا منها في موضوعنا ما تضفيه على عبارة "النص القطعي" من قداسة كبرى، عندما تزعم بأن نصوص الإرث "قطعية" لا يمكن، ولا يجوز، الخروج عليها، لكن هذه الهيئة نفسها تقرأ نصوصا "قطعية" أخرى، صباح مساء: في مجال العقوبات والتجارة والحرابة والربا وغيرها، مما جرى تعطيله منذ مدة طويلة، ولا ترى في ذلك أي عيب، فلا تفعل غير تبرير ما أرسته الحماية، ماضيا، ومباركة ما استحلته السياسة، حاضرا.
أما ما نريده، من وراء إثارة هذا النقاش، فليس الاصطفاف إلى جانب فريق دون آخر، بل فقط وضع بعض خطوط التشديد على هذه الحالات الفصامية التي تعيشها النخب المغربية المؤسساتية، والتي تحاول إسقاط تصوراتها على باقي النخب - مما يفترض أنها مستقلة عنها في خياراتها وتصوراتها -، قبل فرض هذه "الحالة الفصامية" أو "تلك" على باقي المجتمع، فقط لأنها وُضعت في موضع اتخاذ القرار المؤسساتي، علما بأن هذه النقاشات تندرج موضوعيا ضمن مجال الهوية والقيم، التي لا ينبغي تنزيلها فقط من مدخل المقاربات المؤسساتية، بل انطلاقا من مقاربات أشمل. إن الأسئلة: أي هوية ترضينا؟ وأي هوية ينبغي التوافق عليها أو الإرساء عندها؟ أسئلة تستوجب النقاش المجتمعي العام (بسياسته وثقافته وتاريخه ومختلف مكوناته)، كما تستوجب حدا أدنى من الجرأة للحسم فيها ("ثورة ثقافية"، بما فيها الثقافة السياسية).
لهذا فإن النقاش الراهن حول تضارب المناهج التربوية، وكذا تضارب القول في موضوع الاجتهاد في الإرث، يتراءى من خلفه نقاش أعم هو نقاش "الهوية" الذي لم نستطع الفصل فيه لحد الآن. وما دام أن هذا الحسم ما زال مرتبكا ومتأخرا، فإن مثل هذه النقاشات ستستمر، ويتأخر معها تطور عجلة التنمية في قطاعات كثيرة، لعل المجال التربوي والتعليمي هو أخطرها لأنه سيردد دائما نفس الطوطولوجيا، وبحيث تبدو جميع الإصلاحات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية)، في الخلفية، مجرد وضع مراهم على رُكَب مكسورة، وأنه عوض وضع المراهم وجب فحص الكسور وجبرها، بطريقة تنقلنا من مجال الثيولوجيا السياسية إلى مجال الفلسفة السياسية حقيقة.

دورية كان التاريخية - العدد الثالث, 2009
كتب الناصري، تحت عنوان: ظهور بدعة الشراقة من الطائفة اليوسفية وما قيل فيهم، يقول: «قال في "الدوحة... more كتب الناصري، تحت عنوان: ظهور بدعة الشراقة من الطائفة اليوسفية وما قيل فيهم، يقول: «قال في "الدوحة": "كان الشيخ أبو العباس أحمد بن يوسف الراشدي نزيل مليانة، تظهر على يده الكرامات وأنواع الانفعالات، فبعد صيته وكثرت أتباعه، فغلوا في محبته وأفرطوا فيها، حتى نسبه بعضهم إلى النبوة." قال: " وفشا ذلك الغلو على يد رجل ممن صحب أصحابه يقال له ابن عبد الله، فإنه تزندق وذهب مذهب الأباضية على ما حكي عنه، واعتقد هذا المذهب الخسيس كثير من الغوغاء وأجلاف العرب وأهل الأهواء من الحواضر، وتعرف هذه الطائفة باليوسفية." قال: "ولم يكن اليوم بالمغرب من طوائف المبتدعة سوى هذه الطائفة. وسمعت بعض الفضلاء يقول: إنه قد ظهر ذلك في حياة الشيخ أبي العباس المذكور، فلما بلغه ذلك قال: "من قال عنا ما لم نقله يبتليه الله بالعلة والقلة، والموت على غير ملة." قال صاحب "الدوحة": "ولقد أشار الفقهاء على السلطان الغالب بالله بالاعتناء بحسم مادة هذه الطائفة، فسجن جماعة منهم وقتل آخرين. وهؤلاء المبتدعة ليسوا من أحوال الشيخ في شيء، وإنما فعلوا كفعل الروافض والشيعة في أئمتهم، وإنما أصحاب الشيخ كأبي محمد الخياط، والشيخ الشطيبي، وأبي الحسن علي بن عبد الله دفين تافلالت، وأنظارهم من أهل الفضل والدين، وإلا فالأئمة المقتدى بهم كلهم يعظم الشيخ ويعترف له بالولاية والعلم والمعرفة".
دورية كان التاريخية - العدد الخامس, 2009
ثمة تنصيب جديد في هذه الدراسة، يأمل أن يساهم في تحرير التاريخ من قدريته العمياء. قدريته الميكانيك... more ثمة تنصيب جديد في هذه الدراسة، يأمل أن يساهم في تحرير التاريخ من قدريته العمياء. قدريته الميكانيكية التي تجعل القارئ البريء يتميز من الغيظ عندما يقدم له المجذفون (أعني هؤلاء المؤرخين العاكفين على تفسير ألغاز التاريخ بالألغاز) خطاطة واحدة، مكررة، مبهمة، مخجلة... يتشابك فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالسياسي بالثقافي تشابكا تجزيئيا بليدا أعمى، يضيفون كل مرة مياها جديدة لطاحونة القرف كيما تزيد من صريرها الناشز، فيبحثون في التاريخ الإنساني بذهنية لا إنسانية. شيء ما يدور في الذهن، يردهم دائما إلى مستنقع الرمال المتحركة لنفس العوامل إياها (اقتصادية/اجتماعية/ثقافية...) وكأنها قدرية محتومة، رغم زعمها اللاّ قدري، تخونهم في النهاية لكونها لا تتجرأ على اختراق هذه الآلية الاستسلامية، فتعود إلى الإنسان، ذي الأبعاد المركبة. صحيح يفعل فيه "الخارج" باقتصاده واجتماعه وثقافته... لكن "الداخل" أيضا يحركه، لأنه إنسان.
دورية كان التاريخية - العدد الرابع, 2009
ثمة تنصيب جديد في هذه الدراسة، يأمل أن يساهم في تحرير التاريخ من قدريته العمياء. قدريته الميكانيك... more ثمة تنصيب جديد في هذه الدراسة، يأمل أن يساهم في تحرير التاريخ من قدريته العمياء. قدريته الميكانيكية التي تجعل القارئ البريء يتميز من الغيظ عندما يقدم له المجذفون (أعني هؤلاء المؤرخين العاكفين على تفسير ألغاز التاريخ بالألغاز) خطاطة واحدة، مكررة، مبهمة، مخجلة... يتشابك فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالسياسي بالثقافي تشابكا تجزيئيا بليدا أعمى، يضيفون كل مرة مياها جديدة لطاحونة القرف كيما تزيد من صريرها الناشز، فيبحثون في التاريخ الإنساني بذهنية لا إنسانية. شيء ما يدور في الذهن، يردهم دائما إلى مستنقع الرمال المتحركة لنفس العوامل إياها (اقتصادية/اجتماعية/ثقافية...) وكأنها قدرية محتومة، رغم زعمها اللاّ قدري، تخونهم في النهاية لكونها لا تتجرأ على اختراق هذه الآلية الاستسلامية، فتعود إلى الإنسان، ذي الأبعاد المركبة. صحيح يفعل فيه "الخارج" باقتصاده واجتماعه وثقافته... لكن "الداخل" أيضا يحركه، لأنه إنسان.

دورية كان التاريخية - العدد 24, 2014
يندرج العمل المقترح هنا ضمن مشروع يعيد النظر، بالمراجعة، في التقنيات المعتمدة في تحليل النص التار... more يندرج العمل المقترح هنا ضمن مشروع يعيد النظر، بالمراجعة، في التقنيات المعتمدة في تحليل النص التاريخي، على المستوى الأكاديمي. إن الكتابة التاريخية العالمة تقوم بالضرورة على الوثيقة - ومن ضمنها النص التاريخي - لكن ورود هذه الوثيقة/ النص في هذه الكتابة يرد بطريقة مدمجة مع تصور أكبر هو تصور المؤرخ الذي يبتغي تقديمه لتحقيق مشروع عام (كتاب؛ دراسة؛ مقال...) تتداخل فيها النصوص والوثائق دونما حاجة إلى تحليلها بالطريقة التقليدية المعروفة. ولئن كانت طريقة تحليل النصوص التاريخية، التي يعلمها كل من امتهن الدرس التاريخي، في مستويات تعليمية دنيا (قد تمتد حتى الثانوي التأهيلي، أو السلك الأول من الإجازة الجامعية في التاريخ)، تجد تبريرها في ضعف مستوى الطلبة - وهو ضعف طبيعي لأنهم لم يتمرسوا بعد على الكتابة التاريخية العالمة - وبالتالي تقدم طريقة تحليل النص التاريخي نفسها على أساس التمفصلات الكلاسيكية المعلومة: تقديم النص؛ صاحب النص؛ إطاره الزماني والمكاني؛ فكرته الأساس؛ أفكاره/وحداته الكبرى؛ النقد الباطني ثم الخارجي.. فإن اعتماد هذه المسطرة عند كتابة عمل تاريخي أكاديمي تصبح غير ذي معنى، بالنظر إلى أن الأعمال في هذا المستوى تكون مطالبة بامتلاك قدرات كبيرة على مستوى التركيب والنقد؛ ومن ثم التحكم في كفايات تستوجب الممارسة الطويلة، أكيد، لكنها تستوجب الوعي بهذه الممارسة كمدخل أساس لتنزيلها. العمل المقترح هنا إذن يقدم نفسه ضمن هذا المشروع، وككل خطوات أولى عرجاء، فإنه قابل للقراءة، والقراءة الناقدة بالذات، إن لم يكن بنيّة الانخراط فيه، فعلى الأقل لملء بعض ثغراته.
دورية كان التاريخية - العدد الثاني, 2008
E En nt tr ra an nc ce e t to o R Re ea ad d I Ib bn n K Kh ha al ld du un n Q Qu ue es st ti io ... more E En nt tr ra an nc ce e t to o R Re ea ad d I Ib bn n K Kh ha al ld du un n Q Qu ue es st ti io on ns s i in n T Th he e C Cu ur rr ri ic cu ul lu um m a an nd d T Th he eo or ry y د د. . اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﺒﺪ ﻏﻮردو ﻏﻮردو @kmb×ë@sybi @kmb×ë@sybi-@ @ òîiŠÌ½a@òØÜà½a òîiŠÌ½a@òØÜà½a @ @ اﻵداب ﻓﻲ دﻛﺘﻮراه اﻵداب ﻓﻲ دﻛﺘﻮراه ﺗﺨﺼﺺ ﺗﺨﺼﺺ : : واﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼم ﺗﺎرﻳﺦ واﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼم ﺗﺎرﻳﺦ

في البرزخ القائم بين الذات والمكان يقع الاغتراب، وعلى الجانبين يقوم الجدل، والاقتضاب يمكنهما من م... more في البرزخ القائم بين الذات والمكان يقع الاغتراب، وعلى الجانبين يقوم الجدل، والاقتضاب يمكنهما من مواجهة بعضهما بعضا؛ أما الجملة الشعرية فهي مجموع العلامات التي ترسم ذلك وتهدي إليه، وإذ نقول الجملة فإننا لا نقصد مجموع الكلمات فقط، بل الفراغ الذي يمتلئ ويتخذ شكلا أيضا.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.

المكان المتوحش مكان أجنبي، غريب عنا، لذلك فاستدعاؤه يتم دائما بشيء من الانقباض، والتحفز، وتدفق كم... more المكان المتوحش مكان أجنبي، غريب عنا، لذلك فاستدعاؤه يتم دائما بشيء من الانقباض، والتحفز، وتدفق كمية زائدة من الكورتيزول في الدم... إنه أكثر من مجرد صدى للعالم...
العالم يبدو فيه فاعلا لأفعال الانقباض والتوتر والوحشة.. كل مرة نغوص فيها أبعد وأعمق داخل مساحة شعرية تحتوينا شحنتها العاطفية؛ وتأملنا في الأعماق القصوى يوصلنا إلى شر المكان، أو مكان الشر... وبكلمة واحدة: المكان الذي لا يستطيع الإنسان العيش فيه؛ لكن وجب أن تعاش التجربة...
جدل الذات والمكان المتوحش، في عالم الصورة، لا يحيل على أي تواؤم، بل فقط روحان هائماتان متناقضتان، توقظ إحداهما الأخرى بقدر ما تنفر منها، وكل اتصال بينهما يهدد الوجود الداخلي للذات ويكبلها بقيود حساسية مفرطة سابقة، لأنه يعمل على تجزئتها وانحطامها.. فيكفي أن تحلم في العمق المحدد لتصبح جزءا من الكابوس... ثم يحدد الوعي الباقي، إذ بالوعي يمتلئ الفراغ، وتضيق المسافة والزمن إلى أن تجعل الذات في مركز المكان المعادي، أو العكس، فللاستدارة ألاعيبها التي تتقنها لتجعل من أحدهما/الذات والمكان، في مركز الآخر...
إن الوعي هنا يكف عن التفكير في واقعة بعينها (السجن أو القبر مثلا) ليبدأ بالتفكير في العالم؛ وانعكاس الذات في المكان هي المعاينة الأولى التي تكتشف فيها الذات ذاتها، ثم العالم، من خلال قصائد حداثية تتمرد على كل انضباط، بما أن العالم نفسه غير منضبط، لكن القصائد تبقى إنسانية وعلينا أن نفرد لها مساحة تأمل كافية لنعيشها بالعمق الضروري، حتى نعيش هوس الاغتراب والعدائية والقسوة.. التي تحيل عليها.
في البرزخ القائم بين الذات والمكان يقع الاغتراب، وعلى الجانبين يقوم الجدل، والاقتضاب يمكنهما من مواجهة بعضهما بعضا؛ أما الجملة الشعرية فهي مجموع العلامات التي ترسم ذلك وتهدي إليه، وإذ نقول الجملة فإننا لا نقصد مجموع الكلمات فقط، بل الفراغ الذي يمتلئ ويتخذ شكلا أيضا.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.
Uploads
Papers by Ghourdou Abdelaziz
الجواب نفيا لن يردنا إلا إلى خانة النموذج التقليداني في الحكم، وبالتالي إعادة جميع الأسئلة إلى المربع الأول: ما الفائدة من إدراج الحكامة الجيدة في المتن الدستوري إذا لم ينضبط له الجميع؟
نعتقد بأن جوهر عملنا يكمن في الجواب على السؤال أعلاه، وهو جواب لا يمكنه أن يتعارض مع المنطقي والضروري لدستور يزعم أنه يطمح إلى تعديل نظامه الدستوري، وبالتالي لا يمكن أن يكون إلا إيجابا، مما يعني أن جميع مؤسسات النظام الدستوري – بما فيها المؤسسة الملكية – باتت معنية بمبادئ الحكامة
المشروع الأول يتكئ على الواقع التاريخي، الذي أفرزه الإسلام، والذي أفضى إلى تحديد نظرية للحكم/الخلافة أصبح التاريخ نفسه منفعلا بها، ومنه التاريخ المغربي قطعا، من خلال مؤسسة "إمارة المؤمنين". أما المشروع الثاني، أو الثقافة الدستورية التي تتقاطع والمؤسسة المذكورة، فهو إنتاج المعارف المرتبطة بالحقل الدستوري الحداثي، الذي دخل في تجاذب مع المشروع الأول، نظرية وممارسة.
وإذا كانت نظرية الخلافة ذات المنزع الديني قد أرست، في الواقع، أسس "إمارة المؤمنين"، كآلية متميزة للحكم، ضمن المشروعية الواحدية، فذلك لأن إنشاء علم السياسة الشرعية – الذي يعرف موضوعه بأنه تكوين تصور نظري لتطبيقات الإسلام السياسي – قد وفر الجهاز النظري المبرر لهذه الممارسة، لكنه أفضى في النهاية، بعد صدمة الاستعمار، إلى الدخول في مصاقبة متعثرة مع نقيضه المؤسس على الفعل الإنساني بمنزعه الحداثي.
وتسمح الأطروحتان لفقهاء السياسة بإنشاء نموذجهم المثالي الازدواجي للمجتمع المغربي، الذي فشل في تثوير ثقافة حداثية للحكم وظل راكدا أو متراجعا منذ نشأته، بفعل عنقود من الغيابات (غياب الفئة الوسطى؛ غياب الوعي بالحقوق السياسية؛ غياب الثورات...) لكن يتجلى جوهره الداخلي في تقدم دينامي باتجاه صناعة "الديمقراطية" ولو ببطء، رغم هذه الغيابات، من أجل توليد ثقافة دستورية حديثة دون تحويل ذاتها إلى ثقافة علمانية جذرية، بالمعنى الأرثوذكسي.
لربما أفضى بنا التحليل في النهاية - وليبق حديث الليل سرا بيننا - إلى أن سلوك الافتراس أبعد من أن يختزل في مجرد نزوة عشوائية عابرة، أو في رد فعل اضطراري أعيته الحاجة أو أعجزه طلب الثأر... لأنه كل هذه الرموز معا. ولأنه كل هذه الرموز بالضبط، فتحليله لا ينبغي أن يركن إلى صرامة علمية مزعومة متصلبة، بل ينبغي بالأحرى أن يتمتع بقدر عال من المرونة لإبراز "الرمز" الفاعل عند معالجة كل حالة على حدة، وإقصائه إذا دعت الضرورة في حالة - حالات - مغايرة لا تستدعيه وظيفيا.
- ماذا إذن؟
- ما كان علينا إذن أن ننساق وراء سببية مزعومة تركن إلى تفاسير مبهمة، تختفي رغم تعبيراتها المغرية الجذابة، خلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، خلف البنى التحتية المحركة، خلف الدافعية "العميقة" البعيدة التي ينبغي على المؤرخ الكشف عنها دائما حتى تتكشف "عبقريته" و"نبوغه". سببية كانت تكبل الفكر عن القيام بكل ممارسة حرة نبيلة، تجعلنا نَنفُر من التاريخ ونُنفّر منه. لا ننفي قطعا هذه الأسباب المزعومة، لكننا ندعو إلى تحجيمها أولا، وإلى أجرأتها وتعيينها بدقة (وهذا هو المهم) ثانيا.
- وماذا أيضا؟
- كان لابد لنا، بعد، من اقتراح بديل عن "بُناهم التحتية" المزعومة، اقتراح يتجاوزها من خلال منهج عملي التحليل، تجريبي الدلالة والمغزى حتى تتكشف لنا حسناته (المنهج) وعيوبه، فكان اقتراحنا متمما لما بدأناه في مشروع آخر (غوردو، التمدين والسلطة، الباب الثالث) بهدف تثوير مناهج الدراسات التاريخية، اعتمادا على "رموز السلطة".
- ثم ماذا؟
- تجريبية Empirisme المنهج، أي منهج، تحتاج إلى جسم (موضوع) ينبغي تشريحه، فكان "افتراس اللحوم الآدمية" ذاك الجسم، وكانت الصعوبة بالتالي مركبة أو مزدوجة: منهج جديد يقتحم فلسفة التاريخ ومناهجه، يتم تطبيقه على موضوع غريب يشذ عن سنن الخلق والتاريخ.
هذا ما استهوى هذه الدراسة بالضبط، تشريح "الافتراس الآدمي" حتى الأحشاء رغبة في استجلاء الأسباب الحية المحفزة على السلوك، لا الانشغال بأشكال الهوى والسدور، لهذا فهذه دراسة خاصة نتمنى لها قارئا خاصا أيضا.
تقاطعا مع العلاقة أعلاه: الشفهي/الكتابي؛ نقترح فحص إشكالية التاريخ المحلي، للريف الشرقي، بالاتكاء على ما يوفره الدرس الإناسي في الموضوع، ونعني ريمون جاموس الذي يصرح بأنه يريد أن يبحث في المجتمع الأقلعي ليس فقط من مجرد زاوية اجتماعية - أنتربولوجية بالأحرى - لكن من زاوية تاريخية أيضا (ما يسميه بالمجتمع التقليدي، أو ما قبل الكولنيالي/1912)؛ لكن المفارقة أنه يعتمد فقط، عن سبق إصرار منهجي، الرواية الشفهية لجمع مادته الخبرية، ويقصي النص المكتوب! فهل تكفي الرواية الشفهية وحدها لكتابة التاريخ أو تفسيره؟
إننا إذ نطرح السؤال نفسه الذي طرحه محمد كلاوي، منذ أزيد من 30 سنة، فإنما نعيد طرحه ليس لتبريره منهجيا، كما فعل كلاوي، بل لدراسته ونقده، بغض النظر عن المقدمات المنهجية التي تحكم أي بحث علمي.
فلئن كانت الرواية الشفهية دعامة مركزية لكتابة التاريخ عامة، والتاريخ المحلي خاصة، إلا أنها تكون مبتسرة، حد التشوه، عندما تفتقر للأسس المنهجية الصحيحة لاعتمادها، وبالذات اعتماد المنهج المقارن الذي يقابلها مع الوثيقة المكتوبة، حال وجودها؛ حيث تأخذ الرواية الشفهية عندها حجمها الحقيقي المُؤطَّر بالنص المكتوب، والمقروء في ضوئه.
ارتكز أحد جوانب مقولتنا، في دراسة وهدم هذه المقتربات الغربية، على أنه من أجل تأسيس قاعدة مرضية لتحقيب معقول للإناسة، يجب تحقيق مهمة أولية، تتمثل في رفض التفسيرات الغائية الغربية، التي تحاول معالجة تاريخ الإناسة كسلسلة من المراحل التي تطورت بالغرب/المركز، منذ النشأة الأولى/عصر الأنوار، وإلى وقتنا الراهن، وأن باقي المحيط، بما فيه العالم الإسلامي، لم يكن إلا مستهلكا لما أنتجه الفكر الغربي. وتحتاج عملية الرفض هذه أن نأخذ بعين الاعتبار ادعاءات ستراوس وبرتشارد المعرفية، وإقامة الدليل على بطلانها، وتبيان أنها مجرد تحليلات انتقائية لن تلبث أن تأخذ مكانها، وحجمها الحقيقي، ضمن مشروع إعادة التحقيب المرجوة. ولإعادة التأسيس هذه كان لا بد من أدلة ومن مستندات، وجدناها في الرجوع إلى التراث العربي الإسلامي، ونعني بالذات كتب الرحلات بجميع مستوياتها، فكان أن اهتدينا إلى مقاربة تصنيف جديدة، اعتمادًا على أرضية النقاش التي أعلنا عنها، في صدر إشكاليتنا العامة: أي استقصاء الدرس الأنتروبولوجي فيها. وهكذا صنفنا المادة الأنتروبولوجية فيها، وحددنا درجة ملامستها لهذا العلم، لننتهي إلى أنها غالبا لم تخرج عن مستوى المادة الإيتنوغرافية، باستثناء إعادة قراءتنا لابن بطوطة التي انتهت بنا إلى اكتشاف مذهل قوامه قوة ومتانة الدرس الأنتروبولوجي عنده، وبالتالي وجب أن يكون المنطلق الأساس لأي تحقيب أنتروبولوجي يزعم الدقة والموضوعية.
حالة الفصام السياسي أولا، حيث النخبة السياسية مفارقة لمجتمعها تماما، (وحيث المفارقة هنا ترد بمعنى المرتفعة عن الواقع) بحيث ينشأ بينهما (النخبة والواقع) حالة من الاغتراب الشديد؛ لأن مياها كثيرة جرت تحت جسر السياسة والمجتمع منذ أحداث "الربيع العربي" لم تستوعبها هذه النخبة بعد، فظلت تعامل مجتمعها كأنه غير راشد، يمكن خداعه بسهولة، من جهة، كما يمكن الحجر عليه أو التكلم نيابة عنه، من جهة ثانية.
الفصام الديني ثانيا، وتجسده هيئة دينية "علمية" ما زالت توظف الدين توظيفا قروسطيا لم يعد ينطلي على أحد، فتقرأ نصوصه بانتقائية، وتتعامل معها بازدواجية ممجوجة، يهمنا منها في موضوعنا ما تضفيه على عبارة "النص القطعي" من قداسة كبرى، عندما تزعم بأن نصوص الإرث "قطعية" لا يمكن، ولا يجوز، الخروج عليها، لكن هذه الهيئة نفسها تقرأ نصوصا "قطعية" أخرى، صباح مساء: في مجال العقوبات والتجارة والحرابة والربا وغيرها، مما جرى تعطيله منذ مدة طويلة، ولا ترى في ذلك أي عيب، فلا تفعل غير تبرير ما أرسته الحماية، ماضيا، ومباركة ما استحلته السياسة، حاضرا.
أما ما نريده، من وراء إثارة هذا النقاش، فليس الاصطفاف إلى جانب فريق دون آخر، بل فقط وضع بعض خطوط التشديد على هذه الحالات الفصامية التي تعيشها النخب المغربية المؤسساتية، والتي تحاول إسقاط تصوراتها على باقي النخب - مما يفترض أنها مستقلة عنها في خياراتها وتصوراتها -، قبل فرض هذه "الحالة الفصامية" أو "تلك" على باقي المجتمع، فقط لأنها وُضعت في موضع اتخاذ القرار المؤسساتي، علما بأن هذه النقاشات تندرج موضوعيا ضمن مجال الهوية والقيم، التي لا ينبغي تنزيلها فقط من مدخل المقاربات المؤسساتية، بل انطلاقا من مقاربات أشمل. إن الأسئلة: أي هوية ترضينا؟ وأي هوية ينبغي التوافق عليها أو الإرساء عندها؟ أسئلة تستوجب النقاش المجتمعي العام (بسياسته وثقافته وتاريخه ومختلف مكوناته)، كما تستوجب حدا أدنى من الجرأة للحسم فيها ("ثورة ثقافية"، بما فيها الثقافة السياسية).
لهذا فإن النقاش الراهن حول تضارب المناهج التربوية، وكذا تضارب القول في موضوع الاجتهاد في الإرث، يتراءى من خلفه نقاش أعم هو نقاش "الهوية" الذي لم نستطع الفصل فيه لحد الآن. وما دام أن هذا الحسم ما زال مرتبكا ومتأخرا، فإن مثل هذه النقاشات ستستمر، ويتأخر معها تطور عجلة التنمية في قطاعات كثيرة، لعل المجال التربوي والتعليمي هو أخطرها لأنه سيردد دائما نفس الطوطولوجيا، وبحيث تبدو جميع الإصلاحات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية)، في الخلفية، مجرد وضع مراهم على رُكَب مكسورة، وأنه عوض وضع المراهم وجب فحص الكسور وجبرها، بطريقة تنقلنا من مجال الثيولوجيا السياسية إلى مجال الفلسفة السياسية حقيقة.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.
العالم يبدو فيه فاعلا لأفعال الانقباض والتوتر والوحشة.. كل مرة نغوص فيها أبعد وأعمق داخل مساحة شعرية تحتوينا شحنتها العاطفية؛ وتأملنا في الأعماق القصوى يوصلنا إلى شر المكان، أو مكان الشر... وبكلمة واحدة: المكان الذي لا يستطيع الإنسان العيش فيه؛ لكن وجب أن تعاش التجربة...
جدل الذات والمكان المتوحش، في عالم الصورة، لا يحيل على أي تواؤم، بل فقط روحان هائماتان متناقضتان، توقظ إحداهما الأخرى بقدر ما تنفر منها، وكل اتصال بينهما يهدد الوجود الداخلي للذات ويكبلها بقيود حساسية مفرطة سابقة، لأنه يعمل على تجزئتها وانحطامها.. فيكفي أن تحلم في العمق المحدد لتصبح جزءا من الكابوس... ثم يحدد الوعي الباقي، إذ بالوعي يمتلئ الفراغ، وتضيق المسافة والزمن إلى أن تجعل الذات في مركز المكان المعادي، أو العكس، فللاستدارة ألاعيبها التي تتقنها لتجعل من أحدهما/الذات والمكان، في مركز الآخر...
إن الوعي هنا يكف عن التفكير في واقعة بعينها (السجن أو القبر مثلا) ليبدأ بالتفكير في العالم؛ وانعكاس الذات في المكان هي المعاينة الأولى التي تكتشف فيها الذات ذاتها، ثم العالم، من خلال قصائد حداثية تتمرد على كل انضباط، بما أن العالم نفسه غير منضبط، لكن القصائد تبقى إنسانية وعلينا أن نفرد لها مساحة تأمل كافية لنعيشها بالعمق الضروري، حتى نعيش هوس الاغتراب والعدائية والقسوة.. التي تحيل عليها.
في البرزخ القائم بين الذات والمكان يقع الاغتراب، وعلى الجانبين يقوم الجدل، والاقتضاب يمكنهما من مواجهة بعضهما بعضا؛ أما الجملة الشعرية فهي مجموع العلامات التي ترسم ذلك وتهدي إليه، وإذ نقول الجملة فإننا لا نقصد مجموع الكلمات فقط، بل الفراغ الذي يمتلئ ويتخذ شكلا أيضا.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.
الجواب نفيا لن يردنا إلا إلى خانة النموذج التقليداني في الحكم، وبالتالي إعادة جميع الأسئلة إلى المربع الأول: ما الفائدة من إدراج الحكامة الجيدة في المتن الدستوري إذا لم ينضبط له الجميع؟
نعتقد بأن جوهر عملنا يكمن في الجواب على السؤال أعلاه، وهو جواب لا يمكنه أن يتعارض مع المنطقي والضروري لدستور يزعم أنه يطمح إلى تعديل نظامه الدستوري، وبالتالي لا يمكن أن يكون إلا إيجابا، مما يعني أن جميع مؤسسات النظام الدستوري – بما فيها المؤسسة الملكية – باتت معنية بمبادئ الحكامة
المشروع الأول يتكئ على الواقع التاريخي، الذي أفرزه الإسلام، والذي أفضى إلى تحديد نظرية للحكم/الخلافة أصبح التاريخ نفسه منفعلا بها، ومنه التاريخ المغربي قطعا، من خلال مؤسسة "إمارة المؤمنين". أما المشروع الثاني، أو الثقافة الدستورية التي تتقاطع والمؤسسة المذكورة، فهو إنتاج المعارف المرتبطة بالحقل الدستوري الحداثي، الذي دخل في تجاذب مع المشروع الأول، نظرية وممارسة.
وإذا كانت نظرية الخلافة ذات المنزع الديني قد أرست، في الواقع، أسس "إمارة المؤمنين"، كآلية متميزة للحكم، ضمن المشروعية الواحدية، فذلك لأن إنشاء علم السياسة الشرعية – الذي يعرف موضوعه بأنه تكوين تصور نظري لتطبيقات الإسلام السياسي – قد وفر الجهاز النظري المبرر لهذه الممارسة، لكنه أفضى في النهاية، بعد صدمة الاستعمار، إلى الدخول في مصاقبة متعثرة مع نقيضه المؤسس على الفعل الإنساني بمنزعه الحداثي.
وتسمح الأطروحتان لفقهاء السياسة بإنشاء نموذجهم المثالي الازدواجي للمجتمع المغربي، الذي فشل في تثوير ثقافة حداثية للحكم وظل راكدا أو متراجعا منذ نشأته، بفعل عنقود من الغيابات (غياب الفئة الوسطى؛ غياب الوعي بالحقوق السياسية؛ غياب الثورات...) لكن يتجلى جوهره الداخلي في تقدم دينامي باتجاه صناعة "الديمقراطية" ولو ببطء، رغم هذه الغيابات، من أجل توليد ثقافة دستورية حديثة دون تحويل ذاتها إلى ثقافة علمانية جذرية، بالمعنى الأرثوذكسي.
لربما أفضى بنا التحليل في النهاية - وليبق حديث الليل سرا بيننا - إلى أن سلوك الافتراس أبعد من أن يختزل في مجرد نزوة عشوائية عابرة، أو في رد فعل اضطراري أعيته الحاجة أو أعجزه طلب الثأر... لأنه كل هذه الرموز معا. ولأنه كل هذه الرموز بالضبط، فتحليله لا ينبغي أن يركن إلى صرامة علمية مزعومة متصلبة، بل ينبغي بالأحرى أن يتمتع بقدر عال من المرونة لإبراز "الرمز" الفاعل عند معالجة كل حالة على حدة، وإقصائه إذا دعت الضرورة في حالة - حالات - مغايرة لا تستدعيه وظيفيا.
- ماذا إذن؟
- ما كان علينا إذن أن ننساق وراء سببية مزعومة تركن إلى تفاسير مبهمة، تختفي رغم تعبيراتها المغرية الجذابة، خلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، خلف البنى التحتية المحركة، خلف الدافعية "العميقة" البعيدة التي ينبغي على المؤرخ الكشف عنها دائما حتى تتكشف "عبقريته" و"نبوغه". سببية كانت تكبل الفكر عن القيام بكل ممارسة حرة نبيلة، تجعلنا نَنفُر من التاريخ ونُنفّر منه. لا ننفي قطعا هذه الأسباب المزعومة، لكننا ندعو إلى تحجيمها أولا، وإلى أجرأتها وتعيينها بدقة (وهذا هو المهم) ثانيا.
- وماذا أيضا؟
- كان لابد لنا، بعد، من اقتراح بديل عن "بُناهم التحتية" المزعومة، اقتراح يتجاوزها من خلال منهج عملي التحليل، تجريبي الدلالة والمغزى حتى تتكشف لنا حسناته (المنهج) وعيوبه، فكان اقتراحنا متمما لما بدأناه في مشروع آخر (غوردو، التمدين والسلطة، الباب الثالث) بهدف تثوير مناهج الدراسات التاريخية، اعتمادا على "رموز السلطة".
- ثم ماذا؟
- تجريبية Empirisme المنهج، أي منهج، تحتاج إلى جسم (موضوع) ينبغي تشريحه، فكان "افتراس اللحوم الآدمية" ذاك الجسم، وكانت الصعوبة بالتالي مركبة أو مزدوجة: منهج جديد يقتحم فلسفة التاريخ ومناهجه، يتم تطبيقه على موضوع غريب يشذ عن سنن الخلق والتاريخ.
هذا ما استهوى هذه الدراسة بالضبط، تشريح "الافتراس الآدمي" حتى الأحشاء رغبة في استجلاء الأسباب الحية المحفزة على السلوك، لا الانشغال بأشكال الهوى والسدور، لهذا فهذه دراسة خاصة نتمنى لها قارئا خاصا أيضا.
تقاطعا مع العلاقة أعلاه: الشفهي/الكتابي؛ نقترح فحص إشكالية التاريخ المحلي، للريف الشرقي، بالاتكاء على ما يوفره الدرس الإناسي في الموضوع، ونعني ريمون جاموس الذي يصرح بأنه يريد أن يبحث في المجتمع الأقلعي ليس فقط من مجرد زاوية اجتماعية - أنتربولوجية بالأحرى - لكن من زاوية تاريخية أيضا (ما يسميه بالمجتمع التقليدي، أو ما قبل الكولنيالي/1912)؛ لكن المفارقة أنه يعتمد فقط، عن سبق إصرار منهجي، الرواية الشفهية لجمع مادته الخبرية، ويقصي النص المكتوب! فهل تكفي الرواية الشفهية وحدها لكتابة التاريخ أو تفسيره؟
إننا إذ نطرح السؤال نفسه الذي طرحه محمد كلاوي، منذ أزيد من 30 سنة، فإنما نعيد طرحه ليس لتبريره منهجيا، كما فعل كلاوي، بل لدراسته ونقده، بغض النظر عن المقدمات المنهجية التي تحكم أي بحث علمي.
فلئن كانت الرواية الشفهية دعامة مركزية لكتابة التاريخ عامة، والتاريخ المحلي خاصة، إلا أنها تكون مبتسرة، حد التشوه، عندما تفتقر للأسس المنهجية الصحيحة لاعتمادها، وبالذات اعتماد المنهج المقارن الذي يقابلها مع الوثيقة المكتوبة، حال وجودها؛ حيث تأخذ الرواية الشفهية عندها حجمها الحقيقي المُؤطَّر بالنص المكتوب، والمقروء في ضوئه.
ارتكز أحد جوانب مقولتنا، في دراسة وهدم هذه المقتربات الغربية، على أنه من أجل تأسيس قاعدة مرضية لتحقيب معقول للإناسة، يجب تحقيق مهمة أولية، تتمثل في رفض التفسيرات الغائية الغربية، التي تحاول معالجة تاريخ الإناسة كسلسلة من المراحل التي تطورت بالغرب/المركز، منذ النشأة الأولى/عصر الأنوار، وإلى وقتنا الراهن، وأن باقي المحيط، بما فيه العالم الإسلامي، لم يكن إلا مستهلكا لما أنتجه الفكر الغربي. وتحتاج عملية الرفض هذه أن نأخذ بعين الاعتبار ادعاءات ستراوس وبرتشارد المعرفية، وإقامة الدليل على بطلانها، وتبيان أنها مجرد تحليلات انتقائية لن تلبث أن تأخذ مكانها، وحجمها الحقيقي، ضمن مشروع إعادة التحقيب المرجوة. ولإعادة التأسيس هذه كان لا بد من أدلة ومن مستندات، وجدناها في الرجوع إلى التراث العربي الإسلامي، ونعني بالذات كتب الرحلات بجميع مستوياتها، فكان أن اهتدينا إلى مقاربة تصنيف جديدة، اعتمادًا على أرضية النقاش التي أعلنا عنها، في صدر إشكاليتنا العامة: أي استقصاء الدرس الأنتروبولوجي فيها. وهكذا صنفنا المادة الأنتروبولوجية فيها، وحددنا درجة ملامستها لهذا العلم، لننتهي إلى أنها غالبا لم تخرج عن مستوى المادة الإيتنوغرافية، باستثناء إعادة قراءتنا لابن بطوطة التي انتهت بنا إلى اكتشاف مذهل قوامه قوة ومتانة الدرس الأنتروبولوجي عنده، وبالتالي وجب أن يكون المنطلق الأساس لأي تحقيب أنتروبولوجي يزعم الدقة والموضوعية.
حالة الفصام السياسي أولا، حيث النخبة السياسية مفارقة لمجتمعها تماما، (وحيث المفارقة هنا ترد بمعنى المرتفعة عن الواقع) بحيث ينشأ بينهما (النخبة والواقع) حالة من الاغتراب الشديد؛ لأن مياها كثيرة جرت تحت جسر السياسة والمجتمع منذ أحداث "الربيع العربي" لم تستوعبها هذه النخبة بعد، فظلت تعامل مجتمعها كأنه غير راشد، يمكن خداعه بسهولة، من جهة، كما يمكن الحجر عليه أو التكلم نيابة عنه، من جهة ثانية.
الفصام الديني ثانيا، وتجسده هيئة دينية "علمية" ما زالت توظف الدين توظيفا قروسطيا لم يعد ينطلي على أحد، فتقرأ نصوصه بانتقائية، وتتعامل معها بازدواجية ممجوجة، يهمنا منها في موضوعنا ما تضفيه على عبارة "النص القطعي" من قداسة كبرى، عندما تزعم بأن نصوص الإرث "قطعية" لا يمكن، ولا يجوز، الخروج عليها، لكن هذه الهيئة نفسها تقرأ نصوصا "قطعية" أخرى، صباح مساء: في مجال العقوبات والتجارة والحرابة والربا وغيرها، مما جرى تعطيله منذ مدة طويلة، ولا ترى في ذلك أي عيب، فلا تفعل غير تبرير ما أرسته الحماية، ماضيا، ومباركة ما استحلته السياسة، حاضرا.
أما ما نريده، من وراء إثارة هذا النقاش، فليس الاصطفاف إلى جانب فريق دون آخر، بل فقط وضع بعض خطوط التشديد على هذه الحالات الفصامية التي تعيشها النخب المغربية المؤسساتية، والتي تحاول إسقاط تصوراتها على باقي النخب - مما يفترض أنها مستقلة عنها في خياراتها وتصوراتها -، قبل فرض هذه "الحالة الفصامية" أو "تلك" على باقي المجتمع، فقط لأنها وُضعت في موضع اتخاذ القرار المؤسساتي، علما بأن هذه النقاشات تندرج موضوعيا ضمن مجال الهوية والقيم، التي لا ينبغي تنزيلها فقط من مدخل المقاربات المؤسساتية، بل انطلاقا من مقاربات أشمل. إن الأسئلة: أي هوية ترضينا؟ وأي هوية ينبغي التوافق عليها أو الإرساء عندها؟ أسئلة تستوجب النقاش المجتمعي العام (بسياسته وثقافته وتاريخه ومختلف مكوناته)، كما تستوجب حدا أدنى من الجرأة للحسم فيها ("ثورة ثقافية"، بما فيها الثقافة السياسية).
لهذا فإن النقاش الراهن حول تضارب المناهج التربوية، وكذا تضارب القول في موضوع الاجتهاد في الإرث، يتراءى من خلفه نقاش أعم هو نقاش "الهوية" الذي لم نستطع الفصل فيه لحد الآن. وما دام أن هذا الحسم ما زال مرتبكا ومتأخرا، فإن مثل هذه النقاشات ستستمر، ويتأخر معها تطور عجلة التنمية في قطاعات كثيرة، لعل المجال التربوي والتعليمي هو أخطرها لأنه سيردد دائما نفس الطوطولوجيا، وبحيث تبدو جميع الإصلاحات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية)، في الخلفية، مجرد وضع مراهم على رُكَب مكسورة، وأنه عوض وضع المراهم وجب فحص الكسور وجبرها، بطريقة تنقلنا من مجال الثيولوجيا السياسية إلى مجال الفلسفة السياسية حقيقة.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.
العالم يبدو فيه فاعلا لأفعال الانقباض والتوتر والوحشة.. كل مرة نغوص فيها أبعد وأعمق داخل مساحة شعرية تحتوينا شحنتها العاطفية؛ وتأملنا في الأعماق القصوى يوصلنا إلى شر المكان، أو مكان الشر... وبكلمة واحدة: المكان الذي لا يستطيع الإنسان العيش فيه؛ لكن وجب أن تعاش التجربة...
جدل الذات والمكان المتوحش، في عالم الصورة، لا يحيل على أي تواؤم، بل فقط روحان هائماتان متناقضتان، توقظ إحداهما الأخرى بقدر ما تنفر منها، وكل اتصال بينهما يهدد الوجود الداخلي للذات ويكبلها بقيود حساسية مفرطة سابقة، لأنه يعمل على تجزئتها وانحطامها.. فيكفي أن تحلم في العمق المحدد لتصبح جزءا من الكابوس... ثم يحدد الوعي الباقي، إذ بالوعي يمتلئ الفراغ، وتضيق المسافة والزمن إلى أن تجعل الذات في مركز المكان المعادي، أو العكس، فللاستدارة ألاعيبها التي تتقنها لتجعل من أحدهما/الذات والمكان، في مركز الآخر...
إن الوعي هنا يكف عن التفكير في واقعة بعينها (السجن أو القبر مثلا) ليبدأ بالتفكير في العالم؛ وانعكاس الذات في المكان هي المعاينة الأولى التي تكتشف فيها الذات ذاتها، ثم العالم، من خلال قصائد حداثية تتمرد على كل انضباط، بما أن العالم نفسه غير منضبط، لكن القصائد تبقى إنسانية وعلينا أن نفرد لها مساحة تأمل كافية لنعيشها بالعمق الضروري، حتى نعيش هوس الاغتراب والعدائية والقسوة.. التي تحيل عليها.
في البرزخ القائم بين الذات والمكان يقع الاغتراب، وعلى الجانبين يقوم الجدل، والاقتضاب يمكنهما من مواجهة بعضهما بعضا؛ أما الجملة الشعرية فهي مجموع العلامات التي ترسم ذلك وتهدي إليه، وإذ نقول الجملة فإننا لا نقصد مجموع الكلمات فقط، بل الفراغ الذي يمتلئ ويتخذ شكلا أيضا.
ليس هناك من مسطح في الجملة الشعرية الممتلئة، فكل شيء مقعر ومحدب وملتو وغير مباشر.. تماما كالوجود... بحيث تستحيل القصيدة إلى تعبير عن الوجود - بما أنه عاجز عن التعبير عن ذاته - وبما أنه مفتوح على اللانهاية، فإن القصيدة تصبح كذلك أيضا...
وبما أنهما (الوجود والقصيدة) منفتحان على اللانهاية فإننا لن نصل إلى حدودهما القصوى، ومن ثم فنحن عاجزون عن تحديد المركز أيضا، وانكفاؤنا على ذواتنا لن يفضي بنا إلى اليقين أبدا، لأن هناك أشياء كثيرة تقال في الوقت نفسه.
ما يقذفه الوجود/القصيدة، ليس مجرد دفقات إيقاعية عديمة المعنى. إنه قلق وضائع، ونحن في بؤرته، محاصرون كما العادة، والبؤرة شر بلا حدود... القصيدة دوي الوجود وانفجاره، وارتداد صداه، الذي يمتد في الفضاء باتجاه هاوية الفقد، والفقد عدم، لذلك تأتي القصيدة مبعثرة فاقدة للوضوح، لأن الوجود يهوي أيضا باتجاه نقيضه/العدم.
المكان المعادي هو البرزخ الذي يرتعش فيه الوجود ويترنح باتجاه العدم، لذلك يكوّن المادة الخام للقصيدة، ولموضوع هذه الدراسة، لأنه مكان الفاجعة، أو مكان الدراما. والاقتضاب يمتطي الصورة الشعرية القصوى ويطيل لحظة تأملها، إنه البوابة المفضية إلى الكابوس الأنطولوجي للشاعر، والذي يصبح كابوسنا نحن، لأن علينا معاينته وخوض تجربته؛ أي أننا لا نتعلم كيف نقرأ الصورة الشعرية فقط، بل نتعلم كيف نعيشها حقيقة.