Papers by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik

مشروع بناء الخلافة لدى الأستاذ عبد السلام ياسين, 2018
الاقتصاد والمال يمثل المكون الأساسي لبناء الدولة القويمة القوية، والتعليم هو المحرك الأساسي نحو ا... more الاقتصاد والمال يمثل المكون الأساسي لبناء الدولة القويمة القوية، والتعليم هو المحرك الأساسي نحو التنمية البشرية التي تكون وتقوم المجتمع إذ بدون إعداد الأجيال وتربيتهم وتعليمهم الذوق الأدبي والفني والبحث العلمي والأكاديمي لا تقوم نهضة المجتمع رغم الرفاه المادي والمالي. إن التعليم مظهر يبين مدى تقدم مجتمع ما والاقتصاد هو الذي بين أهم المظاهر التي تبرز التخلف والتبعية أو التقدم والتطور والاستقلال المادي، فالقوة المادية من العوامل الأساسية في تمكين دولة من الدول والدفع بها للرفع من مستوى العيش وازدهار العلوم والفنون والبحث العلمي بها.
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
This analytical study in art is a historical study of art painting in Western European painting a... more This analytical study in art is a historical study of art painting in Western European painting and its influence in Moroccan painting after French and Spanish colonization the creation of contemporary painting styles.

This PhD dissertation was about Italian Art , especially about the perspective in the Italian Ren... more This PhD dissertation was about Italian Art , especially about the perspective in the Italian Renaissance Painting and its influence in Ideas and Science revolution. My big concern was to demonstrate how the early painters since the twelve century were creating a new conception of space in painting then in architecture. Giotto was the first one who applied the notion of third dimension in his paintings by using chiaroscuro technics. [light and shadow]. Chiaroscuro is considered as the basic step to linear perspective used as new geometric application. However, in theory the Euclidian solid geometry attempted to do more than replicate what the human eye perceives according to the tenets of Euclidian geometry, which medieval Europeans understood as synonymous with the vision of God. My approach to Italian Renaissance painting had various points of view, but my concentration was on E.H GOMBRICH and Samuel Y. Edgerton, JR. theorems through their important published books that I got at Penn fine art library in Philadelphia/PA. In parallel Erwin Panofsky theorems about Renaissance in art in general and Italian Art particularly were the theorems ground of my opinions and views. Indeed there was a big renovation in the way the painters were composing the space, there was a move from the middle age notion of creating a painting, which was very simple without any notion of third dimension. The space was flat and the painters couldn't compose the space as if there is deepness in it. I will here ask the same question that Samuel Y. Edgerton, JR. did in his book named " The Heritage of Giotto's Geometry ". Why was capitalist Europe after 1500 the first of all civilizations in the world to develop what is commonly understood as modern science, moving rapidly ahead of the previously more sophisticated cultures of the East? Why were some of the most spectacular achievements of both the Western artistic and scientific revolutions conceived in the very same place, the Tuscan city of Florence? Was it only coincidence that Giotto, the founder of Renaissance art, and Galileo, the founder of modern science, were native Tuscans? In fact the perspective geometry of Giotto and Brunelleschi had considerable influence on the visual thinking of Renaissance artisans-engineers, those practical technologists who carried out projects of all sorts for civic and princely patrons in times of war and peace, from designing fortifications and weaponry to the creation of monumental buildings and labor-saving machines. Filippi Brunelleschi was himself an artisan-engineer. His masterpiece, the soaring cupola above the cathedral in Florence, pays tribute both to his traditional engineering methods and to his further quantification of Giotto's three-dimensional visual perception.
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
القوى المهيمنة والمتصارعة في المنطقة
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
Drafts by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
الاقتصاد والمال يمثل مكونا أساسيا في بناء الدولة القويمة القوية، وهو من بين أهم المظاهر التي تبرز... more الاقتصاد والمال يمثل مكونا أساسيا في بناء الدولة القويمة القوية، وهو من بين أهم المظاهر التي تبرز التخلف والتبعية أو التقدم والتطور والاستقلال المادي، فالقوة المادية من العوامل الأساسية في تمكين دولة من الدول والدفع بها للرفع من مستوى العيش وازدهار العلوم والفنون والبحث العلمي بها.
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
هذه الأوراق تمثل فصول من مؤلف يقارب الحكم الإسلامي المستقبلي وهو ما يسمى الخلافة الثانية على منها... more هذه الأوراق تمثل فصول من مؤلف يقارب الحكم الإسلامي المستقبلي وهو ما يسمى الخلافة الثانية على منهاج النبوة.

الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
برز عمل ألبرتي التنظيري في مرحلة خلت من التنظير الرياضي والهندسي. فألبرتي منظر في الرياضيات ويما... more برز عمل ألبرتي التنظيري في مرحلة خلت من التنظير الرياضي والهندسي. فألبرتي منظر في الرياضيات ويمارس الرسم وبذلك مثل النموذج مثالي في النهضة للرسام الطموح والعالم المنظر الذي ساهم في تطوير الفنون بفضل كتبه التي تشرح المبادئ الأساسية للهندسة والبصريات لتجعل من عمل الفنان يتأسس على العقلانية وترقيه من الحرفية اليدوية.
نلقى لدى ألبرتي توجيه للرسامين بشكل ممنهج إذ يفصل في شرح مبادئ الهندسة التي تتقاطع مع عمل الفنان. يبدأ ألبرتي بتحديد النقطة ثم الخطوطه والأحجام لينتقل إلى شرح كيفية صياغتها فوق مساحة اللوحة المسطحة. إذ قدم ألبرتي التعليمات الهندسية التي يحتاجها الرسام لبناء المكان الهندسي الذي يصيغه الرسام وهي عبارة عن عمليات معقدة تحول المكان المسطح للوحة إلى فضاء منفتح ومنسجم وممتد بشكل يوهم بلانهائيته.
هكذا يولي ألبرتي أهمية خاصة لفعل الصياغة الهندسية للمكان المسطح للوحة، كما اهتم بشكل واضح بفعل الرؤية أي الإدراك من خلال تعاطيه للبصريات التي تشرح وتفصل عملية الإدراك البصري وكيفياتها. يخلص ألبرتي إلى أن عملية الرؤية أي الإدراك تحدث بفضل وجود الأشعة، أشعة الضوء التي تحيط بالأشياء. وبذلك خدمت نظريته هذه التي اقتبسها من البصريات عمل الرسامين وقدمت خدمة كبيرة على المستوى المعرفي، فالقاعدة الأولى التي طرحها ألبرتي هي كيفية انتشار الضوء فوق الأشياء المرئية وتأثيرها على حجم تلك الأشياء، فكلما استعملوا أشعة أكثر كلما بدا حجم الأشياء أكبر.
ميز ألبرتي بين نوعين من الأشعة، وهي الأشعة الخارجية التي تمتد على مجمل المساحة المرئية بحيث تكون سياجا حول عموم تلك المساحة. لذلك ينطلق فعل الرؤية من انعكاس الضوء فوق عدسة العين. ويأخذ الضوء فوق مساحة اللوحة شكل الهرم الذي تنتظم فيه الأشعة هندسيا تكون قاعدته السطح المرئي، وهي الأشعة البصرية التي يسميها الأشعة الخارجية. أما رأس الهرم فيستقر داخل العين حيث يصبح نقطة التقاء زوايا الأحجام على شكل مثلثات. وما يحدد الرؤية بالنسبة لألبرتي، هو عنصر الضوء أو الشعاع الضوئي الذي ينبعث من الأشياء المرئية وبذلك يرتبط بوضعية الشعاع المركزي من جهة وبوضعية المشاهد من جهة أخرى.
يذهب دورر متبعا في ذلك فرضية دي لافرانسيسكا التي تعتبر عملية الإدراك تستلزم الشروط التالية. ويتم الإدراك البصري على مستويين تحدده عناصر أساسية هي العين المشاهدة والأشياء المرئية. ويحدد فعل الرؤية أي الحكم واللون وحجم الضوء والظل المسافة التي تفصل بين الأشياء المدركة والمشاهد. ويستنتج من هذه النظرية أن عملية الإدراك تتم بإزالة المسافة التي تفصل بين الشيء المرئي والعين المشاهدة. يمكن شرح هذا المسلسل البصري حسب هذين الرسامية، بأن الإدراك البصري هو انعكاس للأشياء المرئية بواسطة الأشعة التي تبعثها نحو عدسة العين المبصرة. وكأن الأشياء المرئية تلج صورها في قلب العين المشاهدة بحيث تربط عالم الأشياء المرئية وهي ذات وجود مستقل تفرضه على العين التي تدرك الأشعة الخارجية والمركزية هو ما نسميه الحقل البصري الذي يواجه المشاهد ويجعله يستجيب له بإبصاره .
نستنتج مما سبق الكيفية التي تتم بها عملية الإدراك في مستواها الفيزيوجي، أما الإدراك في بعده الذهني والذي عمد ألبرتي على بيانه وتوضيحه للرسام فيتركز في كيفية صياغة المكان الفيزيائي للوحة بحيث يحيل يبني أشكال هندسية بواسطة النقط والخطوط والأحجام مواضيعه بشكل متناسق ومنسجم وممتد وهذه تعتمد على قواعد ثابتة لها من الدقة الرياضية ولكنها ليست بدقة العلماء. وهذه الشروط النظرية لبناء المكان الهندسي هي نفسها التي تحدد إدراك المشاهد للمشهد فوق اللوحة. لأن القواعد الرياضية التي يشتغل بها الرسام تحيل بدورها للشروط السيكولوجية التي تحدد الإدراك البصري حيث يقترن التعيين الاصطناعي ب"نقطة الرؤية" الذاتية للفضاء التصويري.
يفترض "جان بياجي" أن عملية بناء المكان في فضاء تصويري ترتبط بقدرة الإنسان على الإدراك العقلي، لكون الإنسان يمتلك هته القدرة بشكل طبيعي، فما دام الكائن البشري ذا امتداد معين، أي امتداد حجمه أو جسده داخل الفضاء، فإن إمكانية الإدراك بهذا الشكل تكون فطرية لديه. ويبقى أن هذا النمط من الإدراك هو إدراك حسي وتلقائي ومباشر وعفوي. أما صياغة المكان هندسيا فيعتمد على قواعد هندسية لبناء فضاء اللوحة عقليا، أي بناء مكان ذي الخصائص الأقليدية وهي الانسجام والامتداد والوحدة. وهذا يتطلب قدرات عقلية تقتضي التمكن من وسائل وتقنيات هندسية، لأن الأمر هنا يتعلق بإعادة بناء هندسي لموضوعات الرسام فوق مساحة مسطحة تمتلك البعد الثنائي فقط ويراد صياغتها لتوهم بالعمق والبعد الثالث.

الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
يدور محورهذا البحث حول التصور الجديد لمفهوم المكان الذي تم بلورته في الفنون المرئية وخاصة في الفض... more يدور محورهذا البحث حول التصور الجديد لمفهوم المكان الذي تم بلورته في الفنون المرئية وخاصة في الفضاء التصويري للنهضة الأوروبية الأولى في إيطاليا. فقد اعتمد الرسامون بعد المعماريون على تصور مكاني جديد يخالف إلى حد كبير التصور الأرسطي، وأصبح المكان هو هذا الكم المتجانس الذي يوجد في جميع الاتجاهات والذي يعتبر متضمنا Contenant ومتضمنا Contenu في آن واحد.
عمل التصور الجديد لبناء المكان على تجاوز التصور الأرسطي الذي يبني الكون المحدود على مبدأ مركزية الأرض. على عكس ذلك، اعتمد الفنانون في بناءهم للمكان على آليات التعبير الرياضية التي تجعل تناول الأشياء في بعدها الفني تخضع لمستلزمات الخطوط والدوائر والمخروطات وعلاقات النسب وزاوية الرؤية.
يقوم الفنان ببناء موضوعاته التي يختارها ويوزعها فوق مساحة اللوحة الثنائية الأبعاد يراد بلورتها في الإنشاء الفني الذي يمر عبر الصياغة الهندسية وما يرتبط بها من آليات الحساب والقياس والمبادئ البصرية التي تسمح ببناء مكان ثلاثي الأبعاد والذي يعتمد على نقطة الاستهراب.
ينتظم عمل الفنان في إنشاء وبناء موضوعاته فوق فضاء اللوحة التي توزع فيها الموضوعات على شكل أحجام وخطوط وثلثات تنتظم فوق مساحة اللوحة بما يقتضيه تطبيق تقنية المنظور بواسطة الآليات الرياضية، وبذلك كمن عمل الفنان وتركز في قدرته على الصياغة الرياضية للمشهد الذي يصوره الفنان فوق اللوحة وهذا يقتضي بلورة المكان المسطح عن طريق الإنشاء الذهني ليتم تمثل مكان هندسي يعتمد على خاصيات المكان الأقليدي من التجانس والوحدة واللانهائية التي تطبق على الفنون المرئية في اللوحة والتمثال والمعمار.
مثل هذا الإنجاز الفني، من الناحية الإيبستمولوجية، حلقة وصل بين العمل الفني والعمل العلمي، لأن هذين الأخيرين كانا يلتقيان عند الإنجاز الفني.
أصبح المكان المشيد الذي يرى فيه عناصر لوحة النهضة مكان ذو ثلاثة أبعاد، فهو إذن مغاير للمكان الحسي المباشر الذي تقع عليه الحواس قبل البلورة المفاهيمية. ولا يقف التناول العلمي للظواهر عند المدركات الأولية، إذ تربط البلورة المفاهيمية عناصر الظواهر بعوامل ما كان لينتبه إليها الإدراك الأولي.
يتبين أن المكان الذي كان يبنيه فنان النهضة وينشىء فيه علاقات بين العناصر المكونة لموضوعه، مكان متحرر من الحدود والقيود التي تعترض الإدراك الحسي المباشر. فهو مكان متصل ومتجانس أي المكان الهندسي الأقليدي الذي يفرضه التناول العلمي للظواهر ويبني فيه موضوعاته.
وبذلك فالمكان الذي يتم بناؤه في التصوير الفني للنهضة يختلف عن المكان المسطح للوحة، اذ يتم بواسطة خلق البعد الثالث مكان منشئ يمكن تقطيعه بواسطة خطوط ومثلثات ودوائر وأهرام بشكل لانهائي ومنسجم لا يوقفه حاجز ما يمنع الفنان من إجراءاته التقطيعية بناءا على علاقات تناسبية وعددية وهندسية. ومن هنا نستشف صفته الاتصالية والمنسجمة واللانهائية.
فهو مكان لا تتغير طبيعته سواء تعلق الأمر بالعلاقات التي تربط ما بين الأشياء التي تتواجد فوق أو تحت خط النظر، أو التي تتواجد في الخلفية أو الأمامية أو الجانبية، لأن الذي يقيم هذه العلاقات هو القالب الذي يصب فيه الفنان مواضعه، ومن هنا تجانسه.
وهو أيضا مكان مفتوح تمتد أبعاده بشكل يوهم بالامتداد، والعنصر الذي يوفر لانهائيته بالدرجة الأولى هو نقطة الاستهراب التي تجعل النشاط العقلي ينشئ نقطة نظر محورية في مكان ما من اللوحة تكون نقطة التقاء الخطوط الهاربة والمتعامدة في اللوحة.
ويسمح العمق الذي ينشؤه الفنان بواسطة نقطة الاستهراب ان يدفع تلك النقطة إلى أبعد توهم العين المشاهدة بلانهئية تعمقها. وبذلك تشكل نقطة الاستهراب والعمق والبعد الثالث من الإبداعات الخصبة لهذه المرحلة التاريخية الفنية. وتمثل نقطة الاستهراب عنصرا يلزم الناظر التفكير فيه، فهي نقطة خيالية مجردة تحمل الذهن من مسافة إلى أخرى دون نهاية. وبذلكفالمكان الفني المنشئالعقليا هو مكان منتظم بحسب كم وقياس وعلاقات رياضية وليس مكانا خاما مبعثرا.
يذهب بانوفسكي إلى أن المكان الذي جسده فنانو النهضة ابتداءا على الخصوص من القرن الخامس عشر، هو مكان رياضي صرف، والذي سيعتبر بحق أكبر انقلاب في تاريخ الرسم القديم.
ويكفي للمشاهد أن يمعن قليلا في الأعمال الفنية التي تمتد من العصر الهيلينستي والروماني إلى العصر القوطي، لكي يتبين أن ما ينقص المكان التصويري الذي شيدت عليه هذه الرسوماتهي عناصر الاتصال والتجانس واللانهائية. وهي بالضبط الخصائص التي تميز المكان الذي سيتأسس عليه فن الرسم منذ عصر النهضة حتى مجيء بيكاسو، وبذلك يصح القول بأن ما كان ينقص التمثلات المكانية التي سبقت عصر النهضة هي الخصائص الأقليديةللمكان المتصل والموحد والمتجانس.
اقتبس الفنانون في النهضةالأدوات العلمية واستعملوها لتطوير كفاءتهم، وبذلك قدموا للعلم خدمة دفعت به أشواطا بمساهمتهم بالمنظور الهندسي الذي حول ماحة اللوحة المسطحة إلى مكان هندسي ثلاثي الأبعاد ويتضمن العمق وخط النظر ونقطة الاستهراب سمح بتوزيع كان ينتظرها منذ زمن من المكان الهندسي الذي ينظم فيه الظواهر الطبيعية.
فليس من الضروري أن تكون استفادة العلم من الفن قد تمت بكيفية مباشرة، فيمكن أن يكون الفن قد ساهم مساهمة فعالة في شحذ القدرات الإدراكية للفكر خلال النهضة، مما طور إمكانيته التنظيرية والنقدية. فقد كان لفعل البناء الفني تأثير قوي على العلوم، نجد مثلا أن برنامج رجيومنتانس في تجديد علم الفلك قد تأثر بالتجديد الباهر في الفنون التصويرية الذي تحقق في شمال ووسط إيطاليا.
مكن المنظور كأداة هندسية من ضبط المسافات والرصد والقياس والتنظير، ممهدا بذلك لتجديد النظرية الفلكية.
ويعتبر كوبرنيك من العلماء الذين ساهموا مساهمة فعالة في التحول المفاهيمي للعلم الحديث، وكان بموازاة ذلك من المهتمين بالقضايا الجمالية المتوقفة على التماثل والانسجام الرياضيين. كما كان على اطلاع ودراسة للمنظور وكان ذلك عاملا من العوامل المهمة التي جعلت كوبرنيك يختار نظامه الفلكي-الكوسمولوجي الجديد. كما تعرض هذا البحث بالدراسة لبعض من النماذج الفنية والعلمية، التي ساهمت في تطوير الأداة الهندسية: المنظور، التي مثلت نماذج لتفاعل كل من الفن والعلم. من بين هؤلاء المنظر الرياضي والمهتم بالفنون المرئية ليون باتستا ألبرتي وليوناردو دا فنشي ودورر ودي لا فرانسيسكا وغيرهم ....
وبهذه الكيفية ارتبط العمل الفني والعلمي بشكل عضوي وحميم في النهضة الأولى من أجل تحقيق إنجازات في كلا المجالين الفني والعلمي، فباستعمال آلية المنظور تمكن من تصميم الخرائط والتشريح ورسم الأشجار والنباتات وتصاميم المباني مما طور الفنون وحقق إنجازات في باقي العلوم وساهم في تأسيس العقلانية العلمية والمعرفة الدقيقة.
أدى الارتباط بين الفعل الفني والبحث العلمي إلى المناقشة والحوار بين كل من الفنانين والعلماء. وذهب البعض منهم إلى اعتبار أن النشاطين يختلفان من حيث المشروع ومن حيث آليات البناء والربط بين مكونات البناء. وتحمس البعض الآخر لهذا التفاعل بين كل من الفن والعلم بحيث طابقوا بين العلم والفن وكأنهما يتفقان في الآليات والمناهج والغايات.
في هذا الإطار أشار الباحث كومبرتش إلى مسألة الاختلاف بين كل من العلم والفن، واعتبر أن العلم قد يساهم في تطوير الأدوات التقنية في الفن ولكن هذا لا يسمح بالقول بأن الفن يتقدم بنفس الطريقة التي يتقدم بها العلم.
إن اختلاف الأغراض والأدوات والتركيب الثانوي لمكوناتهما لا يسمح بالحديث عن التقدم في الفن بالمعنى الذي نتحدث عنه في المعرفة. فمحور اهتمام العلم هو البناء المفاهيمي الاستدلالي، أما الفنان فقد يقف عند ما يثيره وضع وبناء أشياء معينة في علاقات فضائية مركبة.
كان هذا النقاش مثمرا سواء بالنسبة للفن والعلم، فقد شكل التفاعل المثمر بين المنظور كبناء بصري-هندسي وريشة الفنان في أوائل القرن الخامس عشر حدثا فريدا من جانبين. فمن جهة لم يعرف تطور الأفكار تفاعلا آخر بهذه الكثافة والتداخل بين الفعل الفني والبناء العلمي. كما أنه لم تعرف حضارة أخرى مثل هذا التفاعل من قبل. وبالفعل فالتفاعل بين الميادين المختلفة لا يمكن إلا أن يكون مثمرا، فالتحول المفاهيمي والثقافي والاجتماعي الذي عرفته النهضة ما كان ليصبح عميقا وسريعا ومنتجا لولا تفاعل الجوانب المختلفة من النشاط البشري.

الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق
يتضمن الخطاب البصري أي "الصورة" مجموع سنن ينبغي تفكيكها لإعادة بنائها في شكل مغاير، من هنا فعملية... more يتضمن الخطاب البصري أي "الصورة" مجموع سنن ينبغي تفكيكها لإعادة بنائها في شكل مغاير، من هنا فعملية قراءة ومقاربة الصورة تعني تفكيك هذه السنن بالدرجة الأولى، أي تحليل المراسلة البصرية.ويبقى السؤال الجوهري حول كيفية قراءة الصورة، وبعبارة أخرىكيف يمكن النظر إلى صورة ما وبالتالي محاولة قراءتها، سؤال سنحاول التعرض له في دراسة مسهبة عبر محتويات هذه الفصول.
يحدد السيميوطيقيون والأيقونيون أن عملية خلق الصورة تتوقف على المرسل (الباث)، كما ترتبط عملية إدراك وإعادة إنتاج الصورة على المرسل إليه (المتلقي). وهذا الأخير قطب أساسي في الممارسة التواصلية، والتلقي إلى جانب كونه يتمم هذه المراسلة، فهو إمكانية أخرى لإعادة خلق المراسلة البصرية وليس بالضرورة تكرارا لها، هاهنا جاز الحديث عن "جمالية التلقي" و"لذة القراءة". ويشترط فعل القراءة نظاما أساسا بيداغوجيا للإيقون"1. ففي غياب هذا الشرط، يصعب القول بوجود قراءة مؤسسة ومؤسسة. إذ قد نجيد عملية مطالعة كتاب1، بل وحتى قراءته، ولكن بالمقابل، قد لا نجيد عملية قراءة صورة بصرية. مثلما أنه من الممكن ألا نحسن الرسم، بيد أنه بالإمكان مباشرة قراءة رسم ما (صورة) بشكليعتمد قدرا من المهارة والإتقان.
إذا لم يكن باستطاعتنا مجاوزة عمل الترجمة والتعليق والتأويل، أي الاكتفاء بما تقوله الصورة مباشرة، فهل يمكن، بالمقابل، العثور على منهجية علمية لمقاربة الصورة؟ لا شك أن الأمر ليس بالهين.ولقد أضحى واضحا اليوم، أن البحث عن المعنى في الصورة يعد مسلسلا بكامله، وليس "ترجمة" لفظية للإيقون. وما دام هذا الأخير هو نتاج ثقافة، فالمفروض بالتبعية أن تكون القراءة مالكة إلى حد ما للعناصر المشكلة لهذه الثقافة، على أن استثمار هذا العنصر في استخراج المعنى لا يستقيم إلا بالاستعانة بعلوم ومناهج تكون السند المرجعي لما يدعوه "كوكولا وبيروتيت" بالسيميولوجيا التطبيقية كالألسنية والأسلوبية وسيكولوجيا الأشكال والفيزيولوجيا وعلم نفس الأعماق.
بذلك تصير القراءة بؤرة لتفاعل مختلف العلوم وصراع مختلف التأويلات. فمضمون هذا القسم ومحوره الأساسي يدور حول العدة المنهجية والثقافية التي ينبغي حيازتها للقيام بقراءة الصورة.يذهب الباحث ميشيل ريو (M. Rio) إلى أن التصوير الغربي قد ارتبط بالكلمة، ذلك أن شرط حيازة الصورة لشرعيتها هو اقترانها بنعت يحدد هويتها، أي تكافؤها مع اسم ألسني مباشر. ويربط الباحث ريو دعوة الألسنيين الغربيين إلى إسقاط طابع الدليل (العلامة) عن الوقائع البصرية بطبيعة نظرة الغرب إلى الدليل الإيقوني فهذا الفهم إن هو إلا ترجمة للتصور الذي ينهض على ثنائية، اللغة -الكتابة، وأسبقية الأولى على الثانية. وهو تصور يمثل الحلقة المركزية في الدرس الألسني البنيوي، يقول سوسور في تمييزه بين حدي هذه الثنائية: "هما نسقان متميزان من الأدلة والمبرر الوحيد لوجود الثاني (الكتابة) هو تمثيله للأول (اللسان)، إذ لا يتحدد الموضوع الألسني بالجمع بين اللفظ المكتوب واللفظ المنطوق. فهذا الأخير يشكل الموضوع لوحده. ويستفاد من هذا التحديد أن ما يحكم الطرح السوسيري هو تقديمه لفعل القراءة ،أي الصوت، على الدليل والأثر. والتعاطي مع نسق الكتابة بما هو نسق خارج النسق الصواتي، كما لو كان مجرد ظل تابع للأصل الذي هو اللسان.
Thesis Chapters by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik

الدكتورة سعيدة أولاد موح الصديق, 2019
أثيرت مسألة التحريف في الإنجيل، التي طرحها القرآن الكريم وفصلت في شأنها آياتٌ كثيرةٌ، حيث أصبحت م... more أثيرت مسألة التحريف في الإنجيل، التي طرحها القرآن الكريم وفصلت في شأنها آياتٌ كثيرةٌ، حيث أصبحت محور اهتمام المختصين في دراسة الأديان والمقارنة بين الأديان والتي أكدت ما جاء به القرآن واعتبروها حقيقة يستدل عليها موضوعيا وبالوثائق التاريخية. ظهرت بالولايات المتحدة الأميريكية موجة فكرية يتزعمها الباحثون في تاريخ الديانات والروائيون وعاملون في قنوات تلفزية وغيرهم من عوام الجمهور، يحاججون أنَّ النسخ المتداولة حاليا للإنجيل لا توافق النسخة الأصلية، بعد أن تم التغيير فيها وتبديل كلماتها بفعل الترجمة وإعادة نسخ الأناجيل عبر قرون طويلة.
تفجر التشكيك من قلب المجتمع الأميريكي مدعما بالباحثين المتخصصين في دراسة الديانات والديانة المقارنة. ولا يمكن تجاهل هذا التشكيك بعد أن طرح في مستوى عال من البحث العلمي الموضوعي والمساهمة الأكاديمية التي قام بها متخصص في دراسة الأديان الدكتور بارت إهرمان Bart Ehrman الشهيرة وما أحدثه من ضجةٍ كبيرةٍ داخل الجامعات الأمريكية. فالاعتقاد في المسيح باعتبار مولده معجزةً إلهيةً وبأنَّه كلمة الله مدعمٌ بروح القدس لم يعد راسخاً في أذهان الباحثين المتخصصين ولا في قلوب النصارى التابعين لكنائسهم وصار مشوشاً بأفكارٍ غريبة أبعدت المجتمع الغربي عموما والشباب خاصة عن الاعتقاد في المسيح والديانة المسيحية عامة.
Uploads
Papers by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
Drafts by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
نلقى لدى ألبرتي توجيه للرسامين بشكل ممنهج إذ يفصل في شرح مبادئ الهندسة التي تتقاطع مع عمل الفنان. يبدأ ألبرتي بتحديد النقطة ثم الخطوطه والأحجام لينتقل إلى شرح كيفية صياغتها فوق مساحة اللوحة المسطحة. إذ قدم ألبرتي التعليمات الهندسية التي يحتاجها الرسام لبناء المكان الهندسي الذي يصيغه الرسام وهي عبارة عن عمليات معقدة تحول المكان المسطح للوحة إلى فضاء منفتح ومنسجم وممتد بشكل يوهم بلانهائيته.
هكذا يولي ألبرتي أهمية خاصة لفعل الصياغة الهندسية للمكان المسطح للوحة، كما اهتم بشكل واضح بفعل الرؤية أي الإدراك من خلال تعاطيه للبصريات التي تشرح وتفصل عملية الإدراك البصري وكيفياتها. يخلص ألبرتي إلى أن عملية الرؤية أي الإدراك تحدث بفضل وجود الأشعة، أشعة الضوء التي تحيط بالأشياء. وبذلك خدمت نظريته هذه التي اقتبسها من البصريات عمل الرسامين وقدمت خدمة كبيرة على المستوى المعرفي، فالقاعدة الأولى التي طرحها ألبرتي هي كيفية انتشار الضوء فوق الأشياء المرئية وتأثيرها على حجم تلك الأشياء، فكلما استعملوا أشعة أكثر كلما بدا حجم الأشياء أكبر.
ميز ألبرتي بين نوعين من الأشعة، وهي الأشعة الخارجية التي تمتد على مجمل المساحة المرئية بحيث تكون سياجا حول عموم تلك المساحة. لذلك ينطلق فعل الرؤية من انعكاس الضوء فوق عدسة العين. ويأخذ الضوء فوق مساحة اللوحة شكل الهرم الذي تنتظم فيه الأشعة هندسيا تكون قاعدته السطح المرئي، وهي الأشعة البصرية التي يسميها الأشعة الخارجية. أما رأس الهرم فيستقر داخل العين حيث يصبح نقطة التقاء زوايا الأحجام على شكل مثلثات. وما يحدد الرؤية بالنسبة لألبرتي، هو عنصر الضوء أو الشعاع الضوئي الذي ينبعث من الأشياء المرئية وبذلك يرتبط بوضعية الشعاع المركزي من جهة وبوضعية المشاهد من جهة أخرى.
يذهب دورر متبعا في ذلك فرضية دي لافرانسيسكا التي تعتبر عملية الإدراك تستلزم الشروط التالية. ويتم الإدراك البصري على مستويين تحدده عناصر أساسية هي العين المشاهدة والأشياء المرئية. ويحدد فعل الرؤية أي الحكم واللون وحجم الضوء والظل المسافة التي تفصل بين الأشياء المدركة والمشاهد. ويستنتج من هذه النظرية أن عملية الإدراك تتم بإزالة المسافة التي تفصل بين الشيء المرئي والعين المشاهدة. يمكن شرح هذا المسلسل البصري حسب هذين الرسامية، بأن الإدراك البصري هو انعكاس للأشياء المرئية بواسطة الأشعة التي تبعثها نحو عدسة العين المبصرة. وكأن الأشياء المرئية تلج صورها في قلب العين المشاهدة بحيث تربط عالم الأشياء المرئية وهي ذات وجود مستقل تفرضه على العين التي تدرك الأشعة الخارجية والمركزية هو ما نسميه الحقل البصري الذي يواجه المشاهد ويجعله يستجيب له بإبصاره .
نستنتج مما سبق الكيفية التي تتم بها عملية الإدراك في مستواها الفيزيوجي، أما الإدراك في بعده الذهني والذي عمد ألبرتي على بيانه وتوضيحه للرسام فيتركز في كيفية صياغة المكان الفيزيائي للوحة بحيث يحيل يبني أشكال هندسية بواسطة النقط والخطوط والأحجام مواضيعه بشكل متناسق ومنسجم وممتد وهذه تعتمد على قواعد ثابتة لها من الدقة الرياضية ولكنها ليست بدقة العلماء. وهذه الشروط النظرية لبناء المكان الهندسي هي نفسها التي تحدد إدراك المشاهد للمشهد فوق اللوحة. لأن القواعد الرياضية التي يشتغل بها الرسام تحيل بدورها للشروط السيكولوجية التي تحدد الإدراك البصري حيث يقترن التعيين الاصطناعي ب"نقطة الرؤية" الذاتية للفضاء التصويري.
يفترض "جان بياجي" أن عملية بناء المكان في فضاء تصويري ترتبط بقدرة الإنسان على الإدراك العقلي، لكون الإنسان يمتلك هته القدرة بشكل طبيعي، فما دام الكائن البشري ذا امتداد معين، أي امتداد حجمه أو جسده داخل الفضاء، فإن إمكانية الإدراك بهذا الشكل تكون فطرية لديه. ويبقى أن هذا النمط من الإدراك هو إدراك حسي وتلقائي ومباشر وعفوي. أما صياغة المكان هندسيا فيعتمد على قواعد هندسية لبناء فضاء اللوحة عقليا، أي بناء مكان ذي الخصائص الأقليدية وهي الانسجام والامتداد والوحدة. وهذا يتطلب قدرات عقلية تقتضي التمكن من وسائل وتقنيات هندسية، لأن الأمر هنا يتعلق بإعادة بناء هندسي لموضوعات الرسام فوق مساحة مسطحة تمتلك البعد الثنائي فقط ويراد صياغتها لتوهم بالعمق والبعد الثالث.
عمل التصور الجديد لبناء المكان على تجاوز التصور الأرسطي الذي يبني الكون المحدود على مبدأ مركزية الأرض. على عكس ذلك، اعتمد الفنانون في بناءهم للمكان على آليات التعبير الرياضية التي تجعل تناول الأشياء في بعدها الفني تخضع لمستلزمات الخطوط والدوائر والمخروطات وعلاقات النسب وزاوية الرؤية.
يقوم الفنان ببناء موضوعاته التي يختارها ويوزعها فوق مساحة اللوحة الثنائية الأبعاد يراد بلورتها في الإنشاء الفني الذي يمر عبر الصياغة الهندسية وما يرتبط بها من آليات الحساب والقياس والمبادئ البصرية التي تسمح ببناء مكان ثلاثي الأبعاد والذي يعتمد على نقطة الاستهراب.
ينتظم عمل الفنان في إنشاء وبناء موضوعاته فوق فضاء اللوحة التي توزع فيها الموضوعات على شكل أحجام وخطوط وثلثات تنتظم فوق مساحة اللوحة بما يقتضيه تطبيق تقنية المنظور بواسطة الآليات الرياضية، وبذلك كمن عمل الفنان وتركز في قدرته على الصياغة الرياضية للمشهد الذي يصوره الفنان فوق اللوحة وهذا يقتضي بلورة المكان المسطح عن طريق الإنشاء الذهني ليتم تمثل مكان هندسي يعتمد على خاصيات المكان الأقليدي من التجانس والوحدة واللانهائية التي تطبق على الفنون المرئية في اللوحة والتمثال والمعمار.
مثل هذا الإنجاز الفني، من الناحية الإيبستمولوجية، حلقة وصل بين العمل الفني والعمل العلمي، لأن هذين الأخيرين كانا يلتقيان عند الإنجاز الفني.
أصبح المكان المشيد الذي يرى فيه عناصر لوحة النهضة مكان ذو ثلاثة أبعاد، فهو إذن مغاير للمكان الحسي المباشر الذي تقع عليه الحواس قبل البلورة المفاهيمية. ولا يقف التناول العلمي للظواهر عند المدركات الأولية، إذ تربط البلورة المفاهيمية عناصر الظواهر بعوامل ما كان لينتبه إليها الإدراك الأولي.
يتبين أن المكان الذي كان يبنيه فنان النهضة وينشىء فيه علاقات بين العناصر المكونة لموضوعه، مكان متحرر من الحدود والقيود التي تعترض الإدراك الحسي المباشر. فهو مكان متصل ومتجانس أي المكان الهندسي الأقليدي الذي يفرضه التناول العلمي للظواهر ويبني فيه موضوعاته.
وبذلك فالمكان الذي يتم بناؤه في التصوير الفني للنهضة يختلف عن المكان المسطح للوحة، اذ يتم بواسطة خلق البعد الثالث مكان منشئ يمكن تقطيعه بواسطة خطوط ومثلثات ودوائر وأهرام بشكل لانهائي ومنسجم لا يوقفه حاجز ما يمنع الفنان من إجراءاته التقطيعية بناءا على علاقات تناسبية وعددية وهندسية. ومن هنا نستشف صفته الاتصالية والمنسجمة واللانهائية.
فهو مكان لا تتغير طبيعته سواء تعلق الأمر بالعلاقات التي تربط ما بين الأشياء التي تتواجد فوق أو تحت خط النظر، أو التي تتواجد في الخلفية أو الأمامية أو الجانبية، لأن الذي يقيم هذه العلاقات هو القالب الذي يصب فيه الفنان مواضعه، ومن هنا تجانسه.
وهو أيضا مكان مفتوح تمتد أبعاده بشكل يوهم بالامتداد، والعنصر الذي يوفر لانهائيته بالدرجة الأولى هو نقطة الاستهراب التي تجعل النشاط العقلي ينشئ نقطة نظر محورية في مكان ما من اللوحة تكون نقطة التقاء الخطوط الهاربة والمتعامدة في اللوحة.
ويسمح العمق الذي ينشؤه الفنان بواسطة نقطة الاستهراب ان يدفع تلك النقطة إلى أبعد توهم العين المشاهدة بلانهئية تعمقها. وبذلك تشكل نقطة الاستهراب والعمق والبعد الثالث من الإبداعات الخصبة لهذه المرحلة التاريخية الفنية. وتمثل نقطة الاستهراب عنصرا يلزم الناظر التفكير فيه، فهي نقطة خيالية مجردة تحمل الذهن من مسافة إلى أخرى دون نهاية. وبذلكفالمكان الفني المنشئالعقليا هو مكان منتظم بحسب كم وقياس وعلاقات رياضية وليس مكانا خاما مبعثرا.
يذهب بانوفسكي إلى أن المكان الذي جسده فنانو النهضة ابتداءا على الخصوص من القرن الخامس عشر، هو مكان رياضي صرف، والذي سيعتبر بحق أكبر انقلاب في تاريخ الرسم القديم.
ويكفي للمشاهد أن يمعن قليلا في الأعمال الفنية التي تمتد من العصر الهيلينستي والروماني إلى العصر القوطي، لكي يتبين أن ما ينقص المكان التصويري الذي شيدت عليه هذه الرسوماتهي عناصر الاتصال والتجانس واللانهائية. وهي بالضبط الخصائص التي تميز المكان الذي سيتأسس عليه فن الرسم منذ عصر النهضة حتى مجيء بيكاسو، وبذلك يصح القول بأن ما كان ينقص التمثلات المكانية التي سبقت عصر النهضة هي الخصائص الأقليديةللمكان المتصل والموحد والمتجانس.
اقتبس الفنانون في النهضةالأدوات العلمية واستعملوها لتطوير كفاءتهم، وبذلك قدموا للعلم خدمة دفعت به أشواطا بمساهمتهم بالمنظور الهندسي الذي حول ماحة اللوحة المسطحة إلى مكان هندسي ثلاثي الأبعاد ويتضمن العمق وخط النظر ونقطة الاستهراب سمح بتوزيع كان ينتظرها منذ زمن من المكان الهندسي الذي ينظم فيه الظواهر الطبيعية.
فليس من الضروري أن تكون استفادة العلم من الفن قد تمت بكيفية مباشرة، فيمكن أن يكون الفن قد ساهم مساهمة فعالة في شحذ القدرات الإدراكية للفكر خلال النهضة، مما طور إمكانيته التنظيرية والنقدية. فقد كان لفعل البناء الفني تأثير قوي على العلوم، نجد مثلا أن برنامج رجيومنتانس في تجديد علم الفلك قد تأثر بالتجديد الباهر في الفنون التصويرية الذي تحقق في شمال ووسط إيطاليا.
مكن المنظور كأداة هندسية من ضبط المسافات والرصد والقياس والتنظير، ممهدا بذلك لتجديد النظرية الفلكية.
ويعتبر كوبرنيك من العلماء الذين ساهموا مساهمة فعالة في التحول المفاهيمي للعلم الحديث، وكان بموازاة ذلك من المهتمين بالقضايا الجمالية المتوقفة على التماثل والانسجام الرياضيين. كما كان على اطلاع ودراسة للمنظور وكان ذلك عاملا من العوامل المهمة التي جعلت كوبرنيك يختار نظامه الفلكي-الكوسمولوجي الجديد. كما تعرض هذا البحث بالدراسة لبعض من النماذج الفنية والعلمية، التي ساهمت في تطوير الأداة الهندسية: المنظور، التي مثلت نماذج لتفاعل كل من الفن والعلم. من بين هؤلاء المنظر الرياضي والمهتم بالفنون المرئية ليون باتستا ألبرتي وليوناردو دا فنشي ودورر ودي لا فرانسيسكا وغيرهم ....
وبهذه الكيفية ارتبط العمل الفني والعلمي بشكل عضوي وحميم في النهضة الأولى من أجل تحقيق إنجازات في كلا المجالين الفني والعلمي، فباستعمال آلية المنظور تمكن من تصميم الخرائط والتشريح ورسم الأشجار والنباتات وتصاميم المباني مما طور الفنون وحقق إنجازات في باقي العلوم وساهم في تأسيس العقلانية العلمية والمعرفة الدقيقة.
أدى الارتباط بين الفعل الفني والبحث العلمي إلى المناقشة والحوار بين كل من الفنانين والعلماء. وذهب البعض منهم إلى اعتبار أن النشاطين يختلفان من حيث المشروع ومن حيث آليات البناء والربط بين مكونات البناء. وتحمس البعض الآخر لهذا التفاعل بين كل من الفن والعلم بحيث طابقوا بين العلم والفن وكأنهما يتفقان في الآليات والمناهج والغايات.
في هذا الإطار أشار الباحث كومبرتش إلى مسألة الاختلاف بين كل من العلم والفن، واعتبر أن العلم قد يساهم في تطوير الأدوات التقنية في الفن ولكن هذا لا يسمح بالقول بأن الفن يتقدم بنفس الطريقة التي يتقدم بها العلم.
إن اختلاف الأغراض والأدوات والتركيب الثانوي لمكوناتهما لا يسمح بالحديث عن التقدم في الفن بالمعنى الذي نتحدث عنه في المعرفة. فمحور اهتمام العلم هو البناء المفاهيمي الاستدلالي، أما الفنان فقد يقف عند ما يثيره وضع وبناء أشياء معينة في علاقات فضائية مركبة.
كان هذا النقاش مثمرا سواء بالنسبة للفن والعلم، فقد شكل التفاعل المثمر بين المنظور كبناء بصري-هندسي وريشة الفنان في أوائل القرن الخامس عشر حدثا فريدا من جانبين. فمن جهة لم يعرف تطور الأفكار تفاعلا آخر بهذه الكثافة والتداخل بين الفعل الفني والبناء العلمي. كما أنه لم تعرف حضارة أخرى مثل هذا التفاعل من قبل. وبالفعل فالتفاعل بين الميادين المختلفة لا يمكن إلا أن يكون مثمرا، فالتحول المفاهيمي والثقافي والاجتماعي الذي عرفته النهضة ما كان ليصبح عميقا وسريعا ومنتجا لولا تفاعل الجوانب المختلفة من النشاط البشري.
يحدد السيميوطيقيون والأيقونيون أن عملية خلق الصورة تتوقف على المرسل (الباث)، كما ترتبط عملية إدراك وإعادة إنتاج الصورة على المرسل إليه (المتلقي). وهذا الأخير قطب أساسي في الممارسة التواصلية، والتلقي إلى جانب كونه يتمم هذه المراسلة، فهو إمكانية أخرى لإعادة خلق المراسلة البصرية وليس بالضرورة تكرارا لها، هاهنا جاز الحديث عن "جمالية التلقي" و"لذة القراءة". ويشترط فعل القراءة نظاما أساسا بيداغوجيا للإيقون"1. ففي غياب هذا الشرط، يصعب القول بوجود قراءة مؤسسة ومؤسسة. إذ قد نجيد عملية مطالعة كتاب1، بل وحتى قراءته، ولكن بالمقابل، قد لا نجيد عملية قراءة صورة بصرية. مثلما أنه من الممكن ألا نحسن الرسم، بيد أنه بالإمكان مباشرة قراءة رسم ما (صورة) بشكليعتمد قدرا من المهارة والإتقان.
إذا لم يكن باستطاعتنا مجاوزة عمل الترجمة والتعليق والتأويل، أي الاكتفاء بما تقوله الصورة مباشرة، فهل يمكن، بالمقابل، العثور على منهجية علمية لمقاربة الصورة؟ لا شك أن الأمر ليس بالهين.ولقد أضحى واضحا اليوم، أن البحث عن المعنى في الصورة يعد مسلسلا بكامله، وليس "ترجمة" لفظية للإيقون. وما دام هذا الأخير هو نتاج ثقافة، فالمفروض بالتبعية أن تكون القراءة مالكة إلى حد ما للعناصر المشكلة لهذه الثقافة، على أن استثمار هذا العنصر في استخراج المعنى لا يستقيم إلا بالاستعانة بعلوم ومناهج تكون السند المرجعي لما يدعوه "كوكولا وبيروتيت" بالسيميولوجيا التطبيقية كالألسنية والأسلوبية وسيكولوجيا الأشكال والفيزيولوجيا وعلم نفس الأعماق.
بذلك تصير القراءة بؤرة لتفاعل مختلف العلوم وصراع مختلف التأويلات. فمضمون هذا القسم ومحوره الأساسي يدور حول العدة المنهجية والثقافية التي ينبغي حيازتها للقيام بقراءة الصورة.يذهب الباحث ميشيل ريو (M. Rio) إلى أن التصوير الغربي قد ارتبط بالكلمة، ذلك أن شرط حيازة الصورة لشرعيتها هو اقترانها بنعت يحدد هويتها، أي تكافؤها مع اسم ألسني مباشر. ويربط الباحث ريو دعوة الألسنيين الغربيين إلى إسقاط طابع الدليل (العلامة) عن الوقائع البصرية بطبيعة نظرة الغرب إلى الدليل الإيقوني فهذا الفهم إن هو إلا ترجمة للتصور الذي ينهض على ثنائية، اللغة -الكتابة، وأسبقية الأولى على الثانية. وهو تصور يمثل الحلقة المركزية في الدرس الألسني البنيوي، يقول سوسور في تمييزه بين حدي هذه الثنائية: "هما نسقان متميزان من الأدلة والمبرر الوحيد لوجود الثاني (الكتابة) هو تمثيله للأول (اللسان)، إذ لا يتحدد الموضوع الألسني بالجمع بين اللفظ المكتوب واللفظ المنطوق. فهذا الأخير يشكل الموضوع لوحده. ويستفاد من هذا التحديد أن ما يحكم الطرح السوسيري هو تقديمه لفعل القراءة ،أي الصوت، على الدليل والأثر. والتعاطي مع نسق الكتابة بما هو نسق خارج النسق الصواتي، كما لو كان مجرد ظل تابع للأصل الذي هو اللسان.
Thesis Chapters by Dr. Saida Aoulad Mouh Seddik
تفجر التشكيك من قلب المجتمع الأميريكي مدعما بالباحثين المتخصصين في دراسة الديانات والديانة المقارنة. ولا يمكن تجاهل هذا التشكيك بعد أن طرح في مستوى عال من البحث العلمي الموضوعي والمساهمة الأكاديمية التي قام بها متخصص في دراسة الأديان الدكتور بارت إهرمان Bart Ehrman الشهيرة وما أحدثه من ضجةٍ كبيرةٍ داخل الجامعات الأمريكية. فالاعتقاد في المسيح باعتبار مولده معجزةً إلهيةً وبأنَّه كلمة الله مدعمٌ بروح القدس لم يعد راسخاً في أذهان الباحثين المتخصصين ولا في قلوب النصارى التابعين لكنائسهم وصار مشوشاً بأفكارٍ غريبة أبعدت المجتمع الغربي عموما والشباب خاصة عن الاعتقاد في المسيح والديانة المسيحية عامة.
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
لبناء اقتصاد مستقل وقويم يمكننا من أن ننتقل من الفقر والحاجة إلى القوة والمناعة والاستقلال الذاتي يلزم أن نملك الأساس النظري القادر على صناعة نظرية اقتصادية تستوعب قيمنا وتدرك طبيعتنا البشرية وقدراتها وإمكانياتها. فكل ما نملك من نظريات هي مستوردة من الغرب ونريد أن نقارب بها واقعنا الاجتماعي المختلف وأن نسير به سيرا تابعا لما عليه الغرب. وحتى في محاولتنا تتبع الغرب سنظل دوما غير قادرين على اللحاق بما توصل إليه لأن مساره تم عبر انتقالات مختلفة ومتسلسلة من النظام الإقطاعي الزراعي إلى الثورة الصناعية إلى التكنولوجيا الحديثة التي تؤسس لنظام معرفي.
نلقى لدى ألبرتي توجيه للرسامين بشكل ممنهج إذ يفصل في شرح مبادئ الهندسة التي تتقاطع مع عمل الفنان. يبدأ ألبرتي بتحديد النقطة ثم الخطوطه والأحجام لينتقل إلى شرح كيفية صياغتها فوق مساحة اللوحة المسطحة. إذ قدم ألبرتي التعليمات الهندسية التي يحتاجها الرسام لبناء المكان الهندسي الذي يصيغه الرسام وهي عبارة عن عمليات معقدة تحول المكان المسطح للوحة إلى فضاء منفتح ومنسجم وممتد بشكل يوهم بلانهائيته.
هكذا يولي ألبرتي أهمية خاصة لفعل الصياغة الهندسية للمكان المسطح للوحة، كما اهتم بشكل واضح بفعل الرؤية أي الإدراك من خلال تعاطيه للبصريات التي تشرح وتفصل عملية الإدراك البصري وكيفياتها. يخلص ألبرتي إلى أن عملية الرؤية أي الإدراك تحدث بفضل وجود الأشعة، أشعة الضوء التي تحيط بالأشياء. وبذلك خدمت نظريته هذه التي اقتبسها من البصريات عمل الرسامين وقدمت خدمة كبيرة على المستوى المعرفي، فالقاعدة الأولى التي طرحها ألبرتي هي كيفية انتشار الضوء فوق الأشياء المرئية وتأثيرها على حجم تلك الأشياء، فكلما استعملوا أشعة أكثر كلما بدا حجم الأشياء أكبر.
ميز ألبرتي بين نوعين من الأشعة، وهي الأشعة الخارجية التي تمتد على مجمل المساحة المرئية بحيث تكون سياجا حول عموم تلك المساحة. لذلك ينطلق فعل الرؤية من انعكاس الضوء فوق عدسة العين. ويأخذ الضوء فوق مساحة اللوحة شكل الهرم الذي تنتظم فيه الأشعة هندسيا تكون قاعدته السطح المرئي، وهي الأشعة البصرية التي يسميها الأشعة الخارجية. أما رأس الهرم فيستقر داخل العين حيث يصبح نقطة التقاء زوايا الأحجام على شكل مثلثات. وما يحدد الرؤية بالنسبة لألبرتي، هو عنصر الضوء أو الشعاع الضوئي الذي ينبعث من الأشياء المرئية وبذلك يرتبط بوضعية الشعاع المركزي من جهة وبوضعية المشاهد من جهة أخرى.
يذهب دورر متبعا في ذلك فرضية دي لافرانسيسكا التي تعتبر عملية الإدراك تستلزم الشروط التالية. ويتم الإدراك البصري على مستويين تحدده عناصر أساسية هي العين المشاهدة والأشياء المرئية. ويحدد فعل الرؤية أي الحكم واللون وحجم الضوء والظل المسافة التي تفصل بين الأشياء المدركة والمشاهد. ويستنتج من هذه النظرية أن عملية الإدراك تتم بإزالة المسافة التي تفصل بين الشيء المرئي والعين المشاهدة. يمكن شرح هذا المسلسل البصري حسب هذين الرسامية، بأن الإدراك البصري هو انعكاس للأشياء المرئية بواسطة الأشعة التي تبعثها نحو عدسة العين المبصرة. وكأن الأشياء المرئية تلج صورها في قلب العين المشاهدة بحيث تربط عالم الأشياء المرئية وهي ذات وجود مستقل تفرضه على العين التي تدرك الأشعة الخارجية والمركزية هو ما نسميه الحقل البصري الذي يواجه المشاهد ويجعله يستجيب له بإبصاره .
نستنتج مما سبق الكيفية التي تتم بها عملية الإدراك في مستواها الفيزيوجي، أما الإدراك في بعده الذهني والذي عمد ألبرتي على بيانه وتوضيحه للرسام فيتركز في كيفية صياغة المكان الفيزيائي للوحة بحيث يحيل يبني أشكال هندسية بواسطة النقط والخطوط والأحجام مواضيعه بشكل متناسق ومنسجم وممتد وهذه تعتمد على قواعد ثابتة لها من الدقة الرياضية ولكنها ليست بدقة العلماء. وهذه الشروط النظرية لبناء المكان الهندسي هي نفسها التي تحدد إدراك المشاهد للمشهد فوق اللوحة. لأن القواعد الرياضية التي يشتغل بها الرسام تحيل بدورها للشروط السيكولوجية التي تحدد الإدراك البصري حيث يقترن التعيين الاصطناعي ب"نقطة الرؤية" الذاتية للفضاء التصويري.
يفترض "جان بياجي" أن عملية بناء المكان في فضاء تصويري ترتبط بقدرة الإنسان على الإدراك العقلي، لكون الإنسان يمتلك هته القدرة بشكل طبيعي، فما دام الكائن البشري ذا امتداد معين، أي امتداد حجمه أو جسده داخل الفضاء، فإن إمكانية الإدراك بهذا الشكل تكون فطرية لديه. ويبقى أن هذا النمط من الإدراك هو إدراك حسي وتلقائي ومباشر وعفوي. أما صياغة المكان هندسيا فيعتمد على قواعد هندسية لبناء فضاء اللوحة عقليا، أي بناء مكان ذي الخصائص الأقليدية وهي الانسجام والامتداد والوحدة. وهذا يتطلب قدرات عقلية تقتضي التمكن من وسائل وتقنيات هندسية، لأن الأمر هنا يتعلق بإعادة بناء هندسي لموضوعات الرسام فوق مساحة مسطحة تمتلك البعد الثنائي فقط ويراد صياغتها لتوهم بالعمق والبعد الثالث.
عمل التصور الجديد لبناء المكان على تجاوز التصور الأرسطي الذي يبني الكون المحدود على مبدأ مركزية الأرض. على عكس ذلك، اعتمد الفنانون في بناءهم للمكان على آليات التعبير الرياضية التي تجعل تناول الأشياء في بعدها الفني تخضع لمستلزمات الخطوط والدوائر والمخروطات وعلاقات النسب وزاوية الرؤية.
يقوم الفنان ببناء موضوعاته التي يختارها ويوزعها فوق مساحة اللوحة الثنائية الأبعاد يراد بلورتها في الإنشاء الفني الذي يمر عبر الصياغة الهندسية وما يرتبط بها من آليات الحساب والقياس والمبادئ البصرية التي تسمح ببناء مكان ثلاثي الأبعاد والذي يعتمد على نقطة الاستهراب.
ينتظم عمل الفنان في إنشاء وبناء موضوعاته فوق فضاء اللوحة التي توزع فيها الموضوعات على شكل أحجام وخطوط وثلثات تنتظم فوق مساحة اللوحة بما يقتضيه تطبيق تقنية المنظور بواسطة الآليات الرياضية، وبذلك كمن عمل الفنان وتركز في قدرته على الصياغة الرياضية للمشهد الذي يصوره الفنان فوق اللوحة وهذا يقتضي بلورة المكان المسطح عن طريق الإنشاء الذهني ليتم تمثل مكان هندسي يعتمد على خاصيات المكان الأقليدي من التجانس والوحدة واللانهائية التي تطبق على الفنون المرئية في اللوحة والتمثال والمعمار.
مثل هذا الإنجاز الفني، من الناحية الإيبستمولوجية، حلقة وصل بين العمل الفني والعمل العلمي، لأن هذين الأخيرين كانا يلتقيان عند الإنجاز الفني.
أصبح المكان المشيد الذي يرى فيه عناصر لوحة النهضة مكان ذو ثلاثة أبعاد، فهو إذن مغاير للمكان الحسي المباشر الذي تقع عليه الحواس قبل البلورة المفاهيمية. ولا يقف التناول العلمي للظواهر عند المدركات الأولية، إذ تربط البلورة المفاهيمية عناصر الظواهر بعوامل ما كان لينتبه إليها الإدراك الأولي.
يتبين أن المكان الذي كان يبنيه فنان النهضة وينشىء فيه علاقات بين العناصر المكونة لموضوعه، مكان متحرر من الحدود والقيود التي تعترض الإدراك الحسي المباشر. فهو مكان متصل ومتجانس أي المكان الهندسي الأقليدي الذي يفرضه التناول العلمي للظواهر ويبني فيه موضوعاته.
وبذلك فالمكان الذي يتم بناؤه في التصوير الفني للنهضة يختلف عن المكان المسطح للوحة، اذ يتم بواسطة خلق البعد الثالث مكان منشئ يمكن تقطيعه بواسطة خطوط ومثلثات ودوائر وأهرام بشكل لانهائي ومنسجم لا يوقفه حاجز ما يمنع الفنان من إجراءاته التقطيعية بناءا على علاقات تناسبية وعددية وهندسية. ومن هنا نستشف صفته الاتصالية والمنسجمة واللانهائية.
فهو مكان لا تتغير طبيعته سواء تعلق الأمر بالعلاقات التي تربط ما بين الأشياء التي تتواجد فوق أو تحت خط النظر، أو التي تتواجد في الخلفية أو الأمامية أو الجانبية، لأن الذي يقيم هذه العلاقات هو القالب الذي يصب فيه الفنان مواضعه، ومن هنا تجانسه.
وهو أيضا مكان مفتوح تمتد أبعاده بشكل يوهم بالامتداد، والعنصر الذي يوفر لانهائيته بالدرجة الأولى هو نقطة الاستهراب التي تجعل النشاط العقلي ينشئ نقطة نظر محورية في مكان ما من اللوحة تكون نقطة التقاء الخطوط الهاربة والمتعامدة في اللوحة.
ويسمح العمق الذي ينشؤه الفنان بواسطة نقطة الاستهراب ان يدفع تلك النقطة إلى أبعد توهم العين المشاهدة بلانهئية تعمقها. وبذلك تشكل نقطة الاستهراب والعمق والبعد الثالث من الإبداعات الخصبة لهذه المرحلة التاريخية الفنية. وتمثل نقطة الاستهراب عنصرا يلزم الناظر التفكير فيه، فهي نقطة خيالية مجردة تحمل الذهن من مسافة إلى أخرى دون نهاية. وبذلكفالمكان الفني المنشئالعقليا هو مكان منتظم بحسب كم وقياس وعلاقات رياضية وليس مكانا خاما مبعثرا.
يذهب بانوفسكي إلى أن المكان الذي جسده فنانو النهضة ابتداءا على الخصوص من القرن الخامس عشر، هو مكان رياضي صرف، والذي سيعتبر بحق أكبر انقلاب في تاريخ الرسم القديم.
ويكفي للمشاهد أن يمعن قليلا في الأعمال الفنية التي تمتد من العصر الهيلينستي والروماني إلى العصر القوطي، لكي يتبين أن ما ينقص المكان التصويري الذي شيدت عليه هذه الرسوماتهي عناصر الاتصال والتجانس واللانهائية. وهي بالضبط الخصائص التي تميز المكان الذي سيتأسس عليه فن الرسم منذ عصر النهضة حتى مجيء بيكاسو، وبذلك يصح القول بأن ما كان ينقص التمثلات المكانية التي سبقت عصر النهضة هي الخصائص الأقليديةللمكان المتصل والموحد والمتجانس.
اقتبس الفنانون في النهضةالأدوات العلمية واستعملوها لتطوير كفاءتهم، وبذلك قدموا للعلم خدمة دفعت به أشواطا بمساهمتهم بالمنظور الهندسي الذي حول ماحة اللوحة المسطحة إلى مكان هندسي ثلاثي الأبعاد ويتضمن العمق وخط النظر ونقطة الاستهراب سمح بتوزيع كان ينتظرها منذ زمن من المكان الهندسي الذي ينظم فيه الظواهر الطبيعية.
فليس من الضروري أن تكون استفادة العلم من الفن قد تمت بكيفية مباشرة، فيمكن أن يكون الفن قد ساهم مساهمة فعالة في شحذ القدرات الإدراكية للفكر خلال النهضة، مما طور إمكانيته التنظيرية والنقدية. فقد كان لفعل البناء الفني تأثير قوي على العلوم، نجد مثلا أن برنامج رجيومنتانس في تجديد علم الفلك قد تأثر بالتجديد الباهر في الفنون التصويرية الذي تحقق في شمال ووسط إيطاليا.
مكن المنظور كأداة هندسية من ضبط المسافات والرصد والقياس والتنظير، ممهدا بذلك لتجديد النظرية الفلكية.
ويعتبر كوبرنيك من العلماء الذين ساهموا مساهمة فعالة في التحول المفاهيمي للعلم الحديث، وكان بموازاة ذلك من المهتمين بالقضايا الجمالية المتوقفة على التماثل والانسجام الرياضيين. كما كان على اطلاع ودراسة للمنظور وكان ذلك عاملا من العوامل المهمة التي جعلت كوبرنيك يختار نظامه الفلكي-الكوسمولوجي الجديد. كما تعرض هذا البحث بالدراسة لبعض من النماذج الفنية والعلمية، التي ساهمت في تطوير الأداة الهندسية: المنظور، التي مثلت نماذج لتفاعل كل من الفن والعلم. من بين هؤلاء المنظر الرياضي والمهتم بالفنون المرئية ليون باتستا ألبرتي وليوناردو دا فنشي ودورر ودي لا فرانسيسكا وغيرهم ....
وبهذه الكيفية ارتبط العمل الفني والعلمي بشكل عضوي وحميم في النهضة الأولى من أجل تحقيق إنجازات في كلا المجالين الفني والعلمي، فباستعمال آلية المنظور تمكن من تصميم الخرائط والتشريح ورسم الأشجار والنباتات وتصاميم المباني مما طور الفنون وحقق إنجازات في باقي العلوم وساهم في تأسيس العقلانية العلمية والمعرفة الدقيقة.
أدى الارتباط بين الفعل الفني والبحث العلمي إلى المناقشة والحوار بين كل من الفنانين والعلماء. وذهب البعض منهم إلى اعتبار أن النشاطين يختلفان من حيث المشروع ومن حيث آليات البناء والربط بين مكونات البناء. وتحمس البعض الآخر لهذا التفاعل بين كل من الفن والعلم بحيث طابقوا بين العلم والفن وكأنهما يتفقان في الآليات والمناهج والغايات.
في هذا الإطار أشار الباحث كومبرتش إلى مسألة الاختلاف بين كل من العلم والفن، واعتبر أن العلم قد يساهم في تطوير الأدوات التقنية في الفن ولكن هذا لا يسمح بالقول بأن الفن يتقدم بنفس الطريقة التي يتقدم بها العلم.
إن اختلاف الأغراض والأدوات والتركيب الثانوي لمكوناتهما لا يسمح بالحديث عن التقدم في الفن بالمعنى الذي نتحدث عنه في المعرفة. فمحور اهتمام العلم هو البناء المفاهيمي الاستدلالي، أما الفنان فقد يقف عند ما يثيره وضع وبناء أشياء معينة في علاقات فضائية مركبة.
كان هذا النقاش مثمرا سواء بالنسبة للفن والعلم، فقد شكل التفاعل المثمر بين المنظور كبناء بصري-هندسي وريشة الفنان في أوائل القرن الخامس عشر حدثا فريدا من جانبين. فمن جهة لم يعرف تطور الأفكار تفاعلا آخر بهذه الكثافة والتداخل بين الفعل الفني والبناء العلمي. كما أنه لم تعرف حضارة أخرى مثل هذا التفاعل من قبل. وبالفعل فالتفاعل بين الميادين المختلفة لا يمكن إلا أن يكون مثمرا، فالتحول المفاهيمي والثقافي والاجتماعي الذي عرفته النهضة ما كان ليصبح عميقا وسريعا ومنتجا لولا تفاعل الجوانب المختلفة من النشاط البشري.
يحدد السيميوطيقيون والأيقونيون أن عملية خلق الصورة تتوقف على المرسل (الباث)، كما ترتبط عملية إدراك وإعادة إنتاج الصورة على المرسل إليه (المتلقي). وهذا الأخير قطب أساسي في الممارسة التواصلية، والتلقي إلى جانب كونه يتمم هذه المراسلة، فهو إمكانية أخرى لإعادة خلق المراسلة البصرية وليس بالضرورة تكرارا لها، هاهنا جاز الحديث عن "جمالية التلقي" و"لذة القراءة". ويشترط فعل القراءة نظاما أساسا بيداغوجيا للإيقون"1. ففي غياب هذا الشرط، يصعب القول بوجود قراءة مؤسسة ومؤسسة. إذ قد نجيد عملية مطالعة كتاب1، بل وحتى قراءته، ولكن بالمقابل، قد لا نجيد عملية قراءة صورة بصرية. مثلما أنه من الممكن ألا نحسن الرسم، بيد أنه بالإمكان مباشرة قراءة رسم ما (صورة) بشكليعتمد قدرا من المهارة والإتقان.
إذا لم يكن باستطاعتنا مجاوزة عمل الترجمة والتعليق والتأويل، أي الاكتفاء بما تقوله الصورة مباشرة، فهل يمكن، بالمقابل، العثور على منهجية علمية لمقاربة الصورة؟ لا شك أن الأمر ليس بالهين.ولقد أضحى واضحا اليوم، أن البحث عن المعنى في الصورة يعد مسلسلا بكامله، وليس "ترجمة" لفظية للإيقون. وما دام هذا الأخير هو نتاج ثقافة، فالمفروض بالتبعية أن تكون القراءة مالكة إلى حد ما للعناصر المشكلة لهذه الثقافة، على أن استثمار هذا العنصر في استخراج المعنى لا يستقيم إلا بالاستعانة بعلوم ومناهج تكون السند المرجعي لما يدعوه "كوكولا وبيروتيت" بالسيميولوجيا التطبيقية كالألسنية والأسلوبية وسيكولوجيا الأشكال والفيزيولوجيا وعلم نفس الأعماق.
بذلك تصير القراءة بؤرة لتفاعل مختلف العلوم وصراع مختلف التأويلات. فمضمون هذا القسم ومحوره الأساسي يدور حول العدة المنهجية والثقافية التي ينبغي حيازتها للقيام بقراءة الصورة.يذهب الباحث ميشيل ريو (M. Rio) إلى أن التصوير الغربي قد ارتبط بالكلمة، ذلك أن شرط حيازة الصورة لشرعيتها هو اقترانها بنعت يحدد هويتها، أي تكافؤها مع اسم ألسني مباشر. ويربط الباحث ريو دعوة الألسنيين الغربيين إلى إسقاط طابع الدليل (العلامة) عن الوقائع البصرية بطبيعة نظرة الغرب إلى الدليل الإيقوني فهذا الفهم إن هو إلا ترجمة للتصور الذي ينهض على ثنائية، اللغة -الكتابة، وأسبقية الأولى على الثانية. وهو تصور يمثل الحلقة المركزية في الدرس الألسني البنيوي، يقول سوسور في تمييزه بين حدي هذه الثنائية: "هما نسقان متميزان من الأدلة والمبرر الوحيد لوجود الثاني (الكتابة) هو تمثيله للأول (اللسان)، إذ لا يتحدد الموضوع الألسني بالجمع بين اللفظ المكتوب واللفظ المنطوق. فهذا الأخير يشكل الموضوع لوحده. ويستفاد من هذا التحديد أن ما يحكم الطرح السوسيري هو تقديمه لفعل القراءة ،أي الصوت، على الدليل والأثر. والتعاطي مع نسق الكتابة بما هو نسق خارج النسق الصواتي، كما لو كان مجرد ظل تابع للأصل الذي هو اللسان.
تفجر التشكيك من قلب المجتمع الأميريكي مدعما بالباحثين المتخصصين في دراسة الديانات والديانة المقارنة. ولا يمكن تجاهل هذا التشكيك بعد أن طرح في مستوى عال من البحث العلمي الموضوعي والمساهمة الأكاديمية التي قام بها متخصص في دراسة الأديان الدكتور بارت إهرمان Bart Ehrman الشهيرة وما أحدثه من ضجةٍ كبيرةٍ داخل الجامعات الأمريكية. فالاعتقاد في المسيح باعتبار مولده معجزةً إلهيةً وبأنَّه كلمة الله مدعمٌ بروح القدس لم يعد راسخاً في أذهان الباحثين المتخصصين ولا في قلوب النصارى التابعين لكنائسهم وصار مشوشاً بأفكارٍ غريبة أبعدت المجتمع الغربي عموما والشباب خاصة عن الاعتقاد في المسيح والديانة المسيحية عامة.